فوجئنا فعلاً عندما علمنا أن «مؤسسة العرفان التوحيدية التربوية» أقامت متحفاً يضم شخصيات لبنانية وعالمية فضلاً عن مجسمات ضخمة جغرافية وعلمية متحركة. فبالإضافة الى النجاحات التربوية المتتالية التي حققتها المؤسسة خلال العقود الماضية على مستوى الجمهورية اللبنانية، حرصت إدارة مدارس العرفان على تجسيد الماضي المشرق واستشراف المستقبل الواعد عبر تشييد متحف وطني سياحي تعليمي علمي بكلّ ما في الكلمة من معنى. وخلال زيارتنا الى المتحف المذكور في منطقة السمقانية (الشوف - جبل لبنان) داخل صرح مدرسة العرفان التوحيدية المتاخمة لمستشفى العرفان، لفت انتباهنا جمالية جدران الملاعب المزدانة برسوم يدوية جميلة تجسّد الحياة الجبلية في القرى اللبنانية، بينما استقبلتنا على المدخل جدارية ضخمة مكتوبة بالخط الذهبي تؤرخ لتشييد هذا الصرح في العام 1991. في العام 2001 زار رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري برفقة الوزير وليد جنبلاط متحف العرفان مدشّناً إياه في شبه افتتاح رسمي. ومع أن المتحف لم يدخل ضمن خريطة السياحة اللبنانية، إلا أن طموح القيّمين عليه بحسب ما صرّح به مدير المتحف سليمان الحلبي الى «الحياة» يرقى الى جعله نواة لمتحف وطني سياحي وجعله «بصمة أثر» للخروج من القوقعة المناطقية الضيّقة الى كلّ لبنان، وتالياً الى المشرق العربي. برع المهندس ماجد القعسماني، بإشراف الحلبي، في تجسيد الشخصيات من مواد طبيعية بحيث أتت التماثيل «صبة واحدة» مع ثيابها ومستلزماتها. وبدخولك تلحظ مجسماً لمغارة بدائية فيها بعض الحيوانات، مع نموذج ضخم متحرك بالماء والكهرباء لبلدة جبلية تتوافر فيها مستلزمات الحياة العصرية ويخترق القطار المتحرك جبالها الشاهقة. وهنا في زاوية ضيّقة تلتقي الأمير المعني فخر الدين الثاني، قبل أن تطلّ على القدس الشريف وقبة الصخرة من خلال مجسّم رائع صممّ بالمرايا والزجاج. وفي غرفة مستقلة يقوم تمثال الراحل كمال جنبلاط مع كتبه وحاجياته فضلاً عن أرشفة متلفزة لحياته ومسيرته، حيث يطمح القيّمون على المتحف الى تزويد كلّ تمثال بجهاز كومبيوتر يؤرشف لحياته فيصبح المتحف بذلك مركزاً للمعلوماتية يهمّ الزائر والطالب على حدّ سواء. والى جانب تمثال رفيق الحريري هناك تمثال ناجح جداً لشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز محمد أبو شقرا ولأمير البيان شكيب أرسلان وقائد الثورة السورية سلطان باشا الأطرش والرئيس المصري جمال عبدالناصر والمهاتما غاندي في جلسة تصوّف وزهد، وصولاً الى مجلس الأديب ميخائيل نعيمة الغارق في تأملاته والى جانبه تمثال الأديب مارون عبود. مدينة فضاء وتراث «تلفريك» متحرك بكبائن ملوّنة بين قرى الشوف الأعلى يمرّ انحداراً بين بلدة عين وزين نحو المختارة ويأتيك في لوحة جميلة تبرز رهبة الجبال وجمالية الطبيعة، قبل أن تدخل قاعة أخرى تضم تماثيل متحركة لشخصيات من التراث... فها هو العجوز الثمانيني يستقبلك ب «قرعة متي» وهي الضيافة المميّزة التي يشتهر بها أهل الجبل، وتلتقي الفلاحة الجميلة الرشيقة التي تعصر العنب وتخزنه في الخوابي، بينما تعمل رفيقاتها على «درس» القمح وعجن خبز «الصاج». وبينما تسمع غناء الفلاح الذي يجر أمامه حماره، تعاين عمل «المجلّخ» و «الإسكافي» و «الحدّاد» و «الفاخوري» وغيرهم في حركة كهربائية مدروسة. أما اللافت وسط هذه التظاهرة التراثية فهو رجل الفضاء ببزته الفضائية الكاملة والذي يأخذك تمثاله الى غرفة غريبة عجيبة، تلجها فتشعر بأنّك داخل مركبة فضائية ضخمة تراقب المجرات ومركبات الفضاء في حركة غريبة غير مألوفة مع أصوات تأتيك من كواكب أخرى! إنه نواة متحف جدير بالزيارة والمعاينة تطلقه مؤسسة العرفان حيث يشهد لبنان مرة أخرى نجاحاً وتضافراً لجهود القطاع الخاص الفاعل في هذا الوطن الصغير.