تستعد مدينة فاس المغربية لاحتضان الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للرقص التعبيري التي تنطلق الثلثاء المقبل حتى 25 من الشهر الجاري. المهرجان الذي تنظمه جمعية بابل للثقافة والفن، اتخذت له شعاراً «ربيع الجسد»، بمشاركة فرق كوريغرافية وفنانين من المغرب وتونس والجزائر وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا والسنغال وساحل العاج. يتضمن البرنامج عروضاً راقصة تتنوع بين الباليه والفلامنكو والرقص الشرقي الحديث، ورقصات أمازيغية وأفريقية وهيب هوب ورقص تعبيري حر، إضافة إلى محترفات للشباب والأطفال والمهتمين بفن الرقص من كل الأعمار، وتنظيم معارض تشكيلية وفوتوغرافية، وعقد طاولة مستديرة في عنوان «لندع ألف جسد يتفتح» بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب، وعرض أفلام كوريغرافية، وتنظيم لقاءات يومية مع الفنانين المشاركين. وستتوزع فقرات المهرجان بين فاس وبعض المدن والقرى الواقعة في منطقة فاس بولمان، من أجل التعريف بفن الكوريغرافيا وتعميم المتعة والفائدة، وفتح حوار موسع حول إمكانات تطوير الرقصات التقليدية والتراثية ومد الجسور بين الرقص الشرقي والغربي بكل تفرعاته، في إطار حوار الثقافات وتلاقح التجارب الكوريغرافية العالمية. ويقول مدير ندوة «لندع ألف جسد يتفتح» إدريس كثير إن الأجساد كالأزهار والورود تنفتح وتنشرح كما تنغلق وتنكمش، ولا يحصل الانشراح والانفتاح إلا في الظروف المواتية، فقد تنبثق الأزهار في الرمال والصحراء مستفيدة من رطوبة الليل وبرودة الرمال، كما تنقدح الأجساد في دهمة الظلمات وسواد الليالي. ويضيف: «دع ألف جسد وجسد يرقص» هي دعوة إلى التعبير الجسدي، بحيث لا يمكن الأجساد أن تعبر من دون كشف حر وانكشاف، فالمخاتلة والالتفاف والتدثر والتلبيس واللف والحجب من معيقات الجسد وطمسه... لا جسد من دون ظهور وبروز ومثول وشموخ، وجماليات هذا الظهور هي أخلاق عفيفة للمظهر لا يقصد بها الإثارة والفحشاء، إنما يقصد بها تناغم الحركة وخفة الانتقال والتواثب وبلاغة التعبير الجسدي. أخلاق روحانية للجسد لا يقصد فيها البدن في حد ذاته، إنما هو ذريعة لطهرانية عاطفية ترفض الشهوة الرخيصة لتؤكد ذائقة المهجة والفؤاد الرفيعة. أخلاق لا تعدم الجسد لكنها لا تتورط في أمشاجه. إنها أخلاق سبينوزية تتساءل عما هي الرغبة والشهوة والإرادة وعلاقتها بالجسد. ويقول مدير المهرجان عزيز الحاكم: «نستطيع تجاوز الألم وتقاسم مباهج الجسد، في لحظة نتخلى فيها عن كل شيء، ونحس بغبطة الرقص فنبعث بها إلى الآخرين، على سبيل الإيثار الحق، حيث تنتفي الحواجز بين الذات والجمهور والفضاء... كل شيء هنا يتخذ مكانه الحقيقي ويرتج ويتحد بالآخر، إنها لحظة وعي متمدد وحضور كاسح للعالم، بما يوفر لنا شعوراً غامراً بالحرية والخفة والقدرة على مداواة هشاشة الجسد (الجروح). ومثل هذه اللحظات البهيجة هي بمثابة منارات تضيء طريقنا للاحتفال ب «ربيع الجسد»، عملاً بقول نيتشه: الحياة من دون موسيقى زلة كبرى». وجاء في ورقة تشرح فلسفة المهرجان إنه فضاء للتلاقي والتلاقح وتبادل المعارف والخبرات بين الفنانين الكوريغرافيين المغاربة والأجانب، أنشأته جمعية بابل للثقافة والفن عام 2007، لإتاحة الفرصة لهواة الرقص والمهتمين وعامة الناس ليستمتعوا بأجمل الرقصات الكوريغرافية المحلية والعالمية. وهو أيضاً فرصة مواتية للتفكير في الوسائل الكفيلة بتطوير الرقصات التقليدية والتراثية والرقي بها من مستوى العفوية إلى مرتبة التعبير بالحركات والإشارات عن مكنونات الجسد، بلغة كوريغرافية خاصة. وبما أن المغرب بلد «الألف رقصة ورقصة»، فقد كان من «الضروري التفكير في فضاء مناسب لاستحضار مجموع الرقصات التقليدية والتراثية المغربية، إلى جانب أحدث التجارب الكوريغرافية العالمية، بغية إطلاع فناني العالم على غنى رقصاتنا وتنوعها»، وفق المنظمين. كما يُصار في كل دورة إلى تحديث بنك المعلومات الذي أنشئ عام 2011 لتجميع كل الرقصات الحية والمهددة بالاندثار وتوثيقها بالصور المتحركة والثابتة، وأرشفة البحوث التي أنجزت حولها، لتأسيس ذاكرة كوريغرافية، وتيسير السبل لكل الباحثين في هذا المجال من المغاربة والأجانب، وحماية التراث الكوريغرافي المغربي من التبدد والانقراض.