يثور جدل حاد في صفوف حركة «حماس» والمجتمع الفلسطيني حول مسودة قانون عقوبات جديد يتضمن «تطبيق إقامة الحدود». وعلى رغم أن عدداً من قادة الحركة ونوابها في المجلس التشريعي يرفضون تطبيق مثل هذا القانون الآن وحتى بعد قيام دولة فلسطين المستقلة ويعارضون تضمين قانون العقوبات أي مواد تنص على اقامة الحد الشرعي، إلا أن «كتلة التغيير والاصلاح» البرلمانية التابعة للحركة أزاحت الغبار عن مشروع قانون عقوبات أقره المجلس التشريعي بالقراءة الأولى العام 2001، عندما كانت حركة «فتح» تهيمن عليه. ولا يتضمن هذا المشروع القديم أي مواد تتعلق بإقامة الحدود. اما المشروع الجديد، الذي حصلت «الحياة» على نسخة منه، فتضمن توسيع دائرة تطبيق عقوبة الاعدام لتشمل كثير من الجرائم، منها الزنا اذا كان محصناً ومواقعة المحارم وغيرها. وتنص المادة 289 من الباب الثالث على أنه «يعد مرتكباً جريمة السرقة الحدية من يأخذ خفية بقصد التملك مالاً منقولاً متقوماً للغير شريطة أن يؤخذ المال من حرزه ولا تقل قيمته عن النصاب». وعرف القانون النصاب بأنه «دينار من الذهب يزن 4.25 غراماً أو قيمته من النقود». كما ينص البند الأول من المادة 290 على أن «من يرتكب جريمة السرقة الحدية، يعاقب بقطع اليد اليمنى من مفصل الكف»، فيما ينص الثاني على أنه «اذا أُدين الجاني مرة اخرى، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات». وينص المشروع على عقوبة الجلد في كثير من الجرائم والجنايات، من بينها شرب الخمر ولعب القمار والشتم، ويحظر تزويج الفتاة في حال قل عمرها عن 15 عاماً، ويُعتبر طفلاً من يقل عن عشرة، وليس 18 عاماً كما تعتبره المواثيق والأعراف الدولية. ويعارض مشروع القانون هذا معظم فئات المجتمع الفلسطيني والمجتمع المدني والقوى والفصائل والأحزاب، باستثناء الجماعات السلفية المتشددة التي تستلهم فكر «القاعدة»، وعدد من قياديي «حماس» ممن يعدون أنفسهم سلفيين. وقالت النائب عن «حماس» هدى نعيم ل «الحياة» إن كتلة التغيير والاصلاح «أخرجت مشروع القانون (المقر بالقراءة الأولى في 2001) من الدرج وأرسلته الى الفصائل ومنظمات المجتمع المدني والجامعات وعدد من المشايخ لإبداء الرأي والملاحظة، تمهيداً لتنظيم ورش عمل تسبق عرضه على المجلس لإقراره بالقراءة الثانية». وأضافت أن «عدداً من المشايخ والجامعات أرسل ملاحظاته على المشروع». وشددت على أن «من حق حزب الغالبية حماس (74 مقعداً في المجلس من أصل 132) أن تصبغ القوانين بأيدولوجيتها»، لافتة الى رغبة الحركة في الوصول الى توافق مفاده «ألا تفرض العلمنة عليّ وأنا لا أستطيع أن أفرض الحدود». وأشارت نعيم الى أن «هناك حواراً داخل الكتلة والحركة الى أي مدى ملزمة بالشريعة والحدود أو غير ملزمة»، لافتة الى أن «هناك عقوبات بديلة لا تخالف الشريعة». إلا أن النائب الحالي عن «حماس» وقائدها العام السابق في قطاع غزة أواسط التسعينات سيد أو مسامح عبر عن رفضه الشديد «تطبيق الشريعة والحدود حالياً أو بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة». وقال أبو مسامح ل «الحياة» إن «الخلافة الاسلامية، كما يقول كثير من المفكرين الاسلاميين، لن تعود الى ما كانت عليه سابقاً. كانت ملائمة لمرحلة تاريخية معينة، لكنها لا تصلح لعصرنا الحالي». وأضاف أن «الديموقراطية والحريات الحقيقية هي الأساس وتسبق الشريعة، التي لا يجوز شرعاً تطبيقها، وأنا جاهز لمحاججة الجميع، فهذا رأي فقهي معتبر». وزاد: «علينا أن نبحث عن القواسم المشتركة والديموقراطية والحريات العامة وحرية الصحافة والانتخابات والتداول السلمي للسلطة». وعزا ابو مسامح رأيه الفقهي الى حرصه على «المشروع الاسلامي»، قائلاً إنه يفهم «الاسلام ضمن فهم بشري متعدد». وأضاف: «أنا أؤمن أن مشروعي هو الديموقراطية والتعدد والحوار وأن المشروع الاسلامي مدخل لمشروع حضاري انساني فيه قيم انسانية مشتركة تقوم على السلم الاجتماعي العالمي واحترام ثقافات الشعوب وحرياتها».