يتابع مهرجان السينما الجديدة في نسخته الثالثة والأربعين، عروضه في صالات مونتريال (400 فيلم)، ميستمراً حتى التاسع عشر من الشهر الجاري. ويعتبر مهرجان السينما الجديدة من التظاهرات السينمائية الدولية المهمة التي تستقطب نجوم السينما وكبار الموزعين والمنتجين في كندا وأميركا والعالم. وكانت فعاليات المهرجان قد انطلقت في 8 تشرين الأول (أكتوبر) بعرض فيلم للسينمائي الكندي فيليب فالاردو عن فئة المنافسة الرسمية للأفلام العالمية، تحت عنوان «الكذبة الجميلة - The Good Lie». وضم نخبة من وجوه السينما الأميركيين والسودانيين. وتحدث الفيلم عن معاناة اللاجئين السودانيين الطامحين الى حياة افضل في رحاب الديار الأميركية. وعلى غرار مثيله مهرجان تورونتو الأخير، سجل مهرجان مونتريال هذا حضوراً خجولاً للسينما العربية تمثل بثلاثة افلام هي: جزائري في اطار عرض خاص، ولبناني في خانة بانوراما، وأخيراً مصري في فئة الفيلم التسجيلي. أما الأبرز بين هذه الأفلام فهو « ثورة الزنج» وهو روائي طويل 135 دقيقة، من انتاج جزائري فرنسي لبناني قطري مشترك، وإخراج طارق تقية (صحافي جزائري مستقل متخصص في الاستكشافات والاستقصاءات). استنطاق التاريخ تنطلق شرارة «ثورة الزنج» في الفيلم من عبارة «أنت زنجي» وقعت على مسمع بطل الفيلم ابن بطوطة (الممثل فتحي غارس) اثناء تغطيته لتظاهرة احتجاجية في الجنوب الجزائري، فأثرت تلك العبارة في نفسه وأعادته قروناً الى الوراء سعياً إلى تقصي اول حركة شعبية في التاريخ الإسلامي انطلقت من البصرة بين عامي 869 - 883، وأعلنت ثورة على السلطة المركزية العباسية وخرجت عن سيطرتها اكثر من خمسة عشر عاماً. ينهمك الفيلم في البحث عن دلالاتها التاريخية فيجدها مثقلة بمعاني الظلم والقهر والاستبداد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ومفعمة باتجاهات تحررية تقدمية ضد السلطات الحاكمة وأعوانها. وعلى رغم أن هذه المعاني كانت تتردد في بعض مشاهد الفيلم على شكل ايحاءات، فإن المخرج على ما يبدو آثر في فيلمه اسقاط الماضي على الحاضر ومحاكاة ما يجري من حركات وتيارات مناوئة لبعض السلطات العربية الحاكمة او ربما لما يسمى «ثورات الربيع العربي». على هذه الخلفية من المقاربات التاريخية، يمضي الفيلم في رحلته متنقلاً بين الحقب التاريخية فيحط رحاله في بيروت ربما لإعطاء ثورة الزنج ابعاداً غيرعراقية، حيث يلتقي ابن بطوطة بابنة احد المناضلين الفلسطينيين نهلة (ديانا خيري) التي تنشط لجمع التبرعات لدعم المجهود الوطني للثورة، فتستيقظ في نفسه كل مشاعر البطولة والعنفوان والتطلع الى الحرية التي تمثلها القضية الفلسطينية. باختصار يضج «ثورة الزنج» بحوارات وتساؤلات عديدة حول مفاهيم الحرية والنضال والمقاومة التي يبدو انها قد خبت جذوتها، وتصحّرت مضامينها الوطنية والقومية السامية في هذا العصر العربي الرديء. اما السينما اللبنانية فتمثلت بفيلم «يوميات شهرزاد» (وثائقي - 80 دقيقة) للمخرجة زينة دكاش. وهو نمط من العمل السينمائي الذي لا يستند الى نص مكتوب سلفاً، وإنما يعتمد كلياً على مشاهدات الكاميرا، وعلى بطلاته السجينات اللواتي دفعتهن ظروف الحياة القاسية الى ارتكاب الجرائم. الفيلم باختصار صرخة ورسالة ضد العنف الأسري والسلطة الذكورية ومظالم قوانين السجون. وهو في النهاية يؤكد نجاح اسلوب العلاج بالدراما الذي تنتهجه دكاش. وهذا ما تظهره مشاركة السجينات في المشهد الختامي الذي يضج بالموسيقى والفرح والضحك، كمؤشر إلى ولادة حرة للسجينات. وفي فئة الفيلم التسجيلي يتابع «إلكترو - شعبي» للمخرجة المصرية هند مدب، أجواء الفرح، إنما على يد ثلاثة شباب هم علاء فيفي وعمر حاحا وأحمد زولا. فهؤلاء يحاولون عبر لغة موسيقية صاخبة مطعّمة بنكهات من البوب والإلكترو والراي، التعبير عن رفضهم لما كان يسود المجتمع المصري قبل الثورة من تفشي الفقر والفساد والقهر والاستبداد. ولفت هذا المشهد الناقد الكندي روبير باتيشو فقال: «من الصعب على المشاهد ان يصدق ان مثل هذه الاحتفالية الموسيقية تجري في بلد محافظ ومتدين مثل مصر».