يحتفل الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا هولاند غداً بالذكرى الأولى لانتخابه خلفاً لليميني نيكولا ساركوزي. سنة وصفتها صحيفة «لوموند» بأنها «رهيبة» لرئيس أراد أن يكون «عادياً» خلافاً لسلفه الذي وصفه الاشتراكيون بأنه «مخضوض بحركته الدائمة». منذ تولّي هولاند الرئاسة، زادت البطالة وتراجعت القوة الشرائية في شكل كبير، إذ بلغ عدد العاطلين من العمل 5 ملايين شخص، ويرتفع هذا الرقم يومياً بواقع 900 شخص. كما زاد عدد المغادرين البلاد، ما جعل مجلة «إكسبريس» تطرح القضية على غلافها سائلة لماذا يهجر عدد كبير من الفرنسيين بلدهم وليس فقط الأثرياء، بل كذلك من الشباب والفنانين والباحثين والكوادر وخريجي الجامعات والمقاولين والرياضيين. ويعزى هذا الارتفاع في «الهجرة» إلى الزيادة الكبيرة في الضرائب بسبب فراغ صناديق المال في الدولة وتعميم التقشف. وقد أدت الأوضاع الاقتصادية المزرية ونهج حكومة جان مارك ايرولت الضعيفة واهتزازها بسبب فضيحة أحد أركانها جيروم كاهوزاك الذي استقال بعد اكتشاف تهربه من الضرائب وامتلاكه حسابات في الخارج، إلى انخفاض في شعبية هولاند ورئيس حكومته إلى مستوى يعتبر سابقة. ولم يعد الرئيس، الذي أنهى سنة فقط من ولايته، يحظى إلا بنسبة تأييد متدنية تبلغ 24 في المئة. وتطاوله انتقادات حتى من بعض أركان حزبه، مثل رئيس الجمعية الوطنية كلود بارتولون، فضلاً عن اليساريين المتطرفين أمثال جان لوك ميلانشون والمعارضة اليمينية المتمثلة بحزب ساركوزي «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي يرأسه جان فرانسوا كوبي. وشهدت فرنسا تظاهرات استمرت أياماً قادها اليمين المعارض ضد التصويت على قانون أصدره هولاند يسمح بزواج المثليين. لكنه أقر في الجمعية الوطنية (البرلمان) لأن لحزب الرئيس الأكثرية. على الصعيد الخارجي، وجّهت انتقادات لهولاند بعد صدور بيان للحزب الاشتراكي هاجم فيه سياسة التقشف الألمانية موصياً بمواجهة برلين على هذا الصعيد، ما أثار ردود فعل سريعة وقوية من رئيسي حكومتين يمينيتين سابقتين هما ألان جوبيه وفرانسوا فيون، فحذرا من مخاطر هذه الخطوة، وذلك قبل أن يصحح ايرولت بعض ما صدر عن الحزب الحاكم. كما إن منع وزيرة الصناعة أرنو مونتبور لصفقة بيع شركة «ديلي موشون» لمستثمر أميركي أثار انتقادات كونها خطوة تحدّ من استقطاب رؤوس أموال أجنبية. وقد زاد الخلاف بين ومونتبور والوزير بيار موسموفيسي حول الموضوع تهشيم صورة الحكومة الضعيفة، التي لا يعرف أحد نصف وزرائها بحسب معلّق تلفزيوني فرنسي كبير. وحدها الحرب في مالي أظهرت نجاحاً على صعيد سياسة هولاند الخارجية. في المقابل، أدى الحذر والتقشف المالي إلى تراجع مكانة فرنسا في ما يتعلّق بملفات الشرق الأوسط. وبات قليلاً ما يُسمع صوت باريس حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وفي معلومات خاصة ب «الحياة»، طلب الأميركيون من الفرنسيين ألا يقاربوا هذا الموضوع وأن يتركوا المبادرات وحركة الاتصالات لواشنطن. وخلافاً لكل أسلافه لم يزر هولاند حتى الآن إسرائيل والأراضي الفلسطينية، نظراً لحذره ولأن ليس لديه ما يقدمه على هذا الصعيد. وعلى صعيد الأزمة السورية، يتحرّك هولاند في الموقع الأمامي في إطار مساعدة الثورة على عكس الأميركيين، لكن تشتت المعارضة السورية والتخوف من وقوع السلاح في أيدي جهاديين والتفجير الذي استهدف السفارة الفرنسية في بنغازي جعلته يتراجع، فضلاً عن تأثره بمواقف وزير خارجيته لوران فابيوس الذي يلعب دوراً كبيراً في سياسة باريس الخارجية. فقد تحولت فرنسا إلى بلد عادي عربياً، علماً أن هولاند يعرف الملفات جيداً ويتابعها بدقة ومثابرة. لكن لا شك في أن السنة الأولى من ولايته الرئاسية أفقدته الشعبية التي حققها يوم انتخابه على حساب ساركوزي الذي كره الشعب الفرنسي شخصيته. لكنهم لا يرغبون برئيسهم أن يكون شخصاً عادياً. لذا يبدو أن هولاند بأسلوبه البسيط فشل في جذبهم على رغم إنه شخصية قريبة ومنفتحة ويتميز بروح نكتة ويستمع لمحدّثه جيداً. لكن كثيراً ما يُنتقد على تردده في اتخاذ القرار.