يستضيف مسرح «مكان» في قلب القاهرة، عرضاً مسرحياً غنائياً بعنوان «هوى الحرية» حاولت فيه مجموعة من المسرحيين الشباب قراءة أحداث ثورة 1919 وما سبقها، خصوصاً منذ عام 1914، تاريخ بدء الحرب العالمية الأولى وتأثيراتها على المنطقة العربية تحديداً على مصر وسورية. وحاولوا إيجاد أوجه شبه بين أحداث ثورتي 1919 و «يناير 2011». وتوضح مخرجة العرض ليلى سليمان في حديث إلى «الحياة» أن البداية كانت ببحث تاريخي أعدته علياء مسلم عن الأغاني المصرية بين 1914 و1919، وهي الفترة التي شهدت زخماً ثورياً بدأ منذ أُجبرت مصر على دخول الحرب العالمية الأولى للوقوف إلى جانب إنكلترا التي كانت تحتلها في ذلك الوقت، وتواكب ذلك مع حدوث حراك في المسرح الموسيقي. بعد مرور نحو 100 عام، وفي ضوء فجر جديد يظهر في مصر حالياً، «حاول هذا العرض غربلة أرشيفات الدولة التي ووريت التراب، وجمْع الأسطوانات التي تضم الأغاني القديمة لسيد درويش ومنيرة المهدية ونعيمة المصرية»، كما تشير سليمان. وتضيف: «تلك الأغاني التي قاربت الاندثار وتناولت حقبة زاخرة في حياة مصر كاد التاريخ أن ينساها، إذ يغفل العديد من المؤرخين أحداث 1917 التي شهدت ثورة الفلاحين المصريين الذين رحّلت منهم إنكلترا ما يقارب نصف مليون إلى فلسطين وأماكن الصراع، لا ليحاربوا بل ليقوموا بتلميع أحذية العساكر الإنكليز ويعملوا في خدمات أقرب إلى السخرة منها إلى العمل العسكري». وتلفت المخرجة الشابة إلى أنها وزملاءها حاولوا شرح كل هذا من خلال المسرحية التي تقع تحت بند المحاضرة المسرحية أو المحاضرة الأدائية التي تلقيها الممثلة المصرية زينب مجدي ولا يقاطعها إلا صوت الفونوغراف (جهاز تشغيل الأسطوانات) الأثري صادحاً بأغاني سيد درويش ومنيرة المهدية وكلمات بديع خيري ويونس القاضي وغيرهم. يتخلل ذلك غناء للمطربة والمسرحية السورية ناندا محمد التي تؤدي العديد من المقطوعات الغنائية التاريخية التراثية التي تتحدث عن الوضع في مصر وسورية في ذلك الوقت وتحديداً بين عامي 1917 و1919. وتقول ناندا: «الوضع الحالي لا يختلف كثيراً عن الوضع في 1914 حين هرب كثير من السوريين إلى مصر من المجاعة التي ضربت سورية ولبنان، وكذلك نزحت عائلات سورية وبينها أرمنية إلى مصر نتيجة الثورات في بلاد عربية ضد حكم العثمانيين والإنكليز، وهو ما يشبه الوضع الحالي من نزوح السوريين بسبب ما يجري في سورية بسبب ثورات الربيع العربي». العرض يشمل أغاني مثل «مصر يا أم الدنيا» تلحين سيد درويش وغناء محمد عوض العرب و «شال الحمام» لمنيرة المهدية، ولحن العمال والسلطة المسمى «سلمى يا سلامة» و «زوروني كل سنة مرة»، و «يا عزيز عيني أنا بدي أروّح بلدي»، وغيرها. ويقول مساعد المخرج والمنتج حسام الهلالي إن «هوى الحرية» تتناول التشابه بين الماضي والحاضر، بالنسبة إلى أوضاع السجناء، وإن العرض ينادي بالحرية للمسجونين حالياً، وفقاً لقانون التظاهر الذي يقارب القانون الذي أصدره الممثل الإنكليزي في 1914 لمنع تظاهر المصريين الرافضين للدخول في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل. كما يتناول العرض ما حصل بعد «ثورة يناير»، خصوصاً في عام 2012 عندما أوقفت الأحزاب وجماعة الإخوان المسلمين المد الثوري طمعاً بالوصول إلى السلطة، وهو تقريباً ما حدث عندما أوقف سعد زغلول ورفاقه المدّ الثوري في 1919 نتيجة تفاهمات حدثت مع القصر والملك، متناسين أن الهدف الرئيسي للثورة كان إنهاء الاحتلال ليرجع سقف مطالبهم إلى إنشاء حكومة وفدية برئاسة سعد زغلول. ما بعد الدراما وتشرح ليلى سليمان أن العرض ينتمي إلى تيار «ما بعد الدراما» المسرحي، وهو من المدرسة الحديثة أو ما بعد الحديثة. وفي هذا النوع لا يركز العرض المسرحي على الدراما في المشهد، إنما يحاول الدخول في حالة إنسانية من دون التأثير على المشاهد بدنياً أو شعورياً. وتضيف إن الممثل يحاول إيصال الموقف من طريق الجملة المسرحية، وكذلك نقل الحركة إلى أقصى مدى، فلا يغادر الممثلون المسرح كثيراً، وهم في هذا العرض لا يزيدون على اثنتين هما ناندا محمد وزينب مجدي. ومن الناحية البصرية، لا يعتمد «هوى الحرية» إلا على «سينوغرافيا» بسيطة تشمل الديكور والإضاءة وغيرهما من العناصر، وطبعاً الموسيقى التي تعتبر أساس هذا العرض إلى جانب المحاضرة المسرحية. والفريد في العرض أن الموسيقى ليست هي وحدها التراثية، ولكن الدلالة التي تقدمها تراثية، وكذلك الأسطوانات هي الأصلية التي كانت موجودة منذ مئة عام تحديداً. العرض الذي أنتج بالتعاون مع مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية، ومسرح «غوركي» في برلين، و «كاي تياترو» في بروكسيل، ومهرجان «ليفت» الذي احتفل بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، قُدم في لندن قبل القاهرة. ويستعد طاقم العمل لجولة في ألمانيا وبلجيكا.