لستُ هنا بحاجة إلى التأكيد على أهمية النهضة وخططها التنموية الاستراتيجية وشروطها الثقافية إن بات ثمة شروط ثقافية في عالم مختلف فهذه التأكيدات لها موضع آخر، كما أن أهمية النهضة لم تعد في منطقة الإدراك! بل انتقلت إلى عمق الإحساس والشعور، ومع أهمية كل ذلك إلا أننا بحاجة ماسة للوعي بأولويات النهضة وأولويات الناس وخلق الوعي فيهما، وهو الأمر الذي لن يكون إلا عبر تمكين قانون الانسجام الذي يضمن التوازنات. المعنى الإنساني في الخطط التنموية، الذي أهمه وأساسه المنطلق الروحي للإنسان الذي يفيض عليه السكينة والهدوء، الذي هو في أمس الضرورة إليها سيّما في عالم مزيج يموج بإزعاجات يفتقد الإنسان فيها أبسط درجات السكون، هذا المعنى يجب أن يكون في عمق الأولويات سائراً معها في كل اتجاهاتها، ذلك أن إنسان السكينة سيحقق بعده الاجتماعي التواصلي، وسوف يمتلئ بالحب والعطاء، ليتحرك منطلقاً من دوافعه الداخلية، ولن يكون مجرد شخصية يعتمد في إنتاجه على دوافع من خارجه تعطيه أو تمنعه! وحين تتحقق إنسانية الإنسان وينتقل من مطاردة رغيف خبزه إلى التعلق بأمله وتصور مستقبله فسوف يكون هو أساس كل التنمية مباركاً أينما كان. التنمية كلمة محايدة وهي حين توازي بين قوة النهضة وقوة الفقر فإنها تحمل في داخلها عوامل حتفها، لذلك تقع مسؤوليتنا في حفريات البحث الصادق الذي يكشف عن الإجابة كيف تشكلت التراكمات؟ وكيف نشأت التكومات؟ لأن اعترافنا بأخطائنا والشفافية في تناولها هو المحور الأول في العلاج، وهو الأمر الذي سوف يتصدر نقاط قوتنا، إضافة إلى أنه السبيل إلى عالم التصورات والرؤية الصحيحة. تحقيق الحد الأدنى من أولويات الناس يسمح بمرونة تحقيق الحد الأعلى من أولويات النهضة عبر سيرورة لا تتوقف، إذ تقضي النتيجة بارتفاع المستوى الحياتي للناس الذي يسهل عليهم الاستفادة من مخرجات النهضة نتيجة تقلص المسافة بين القرار وتنفيذه، وبين مخرجات التعليم وبيئة العمل، وبين حاجيات الناس وطموحاتهم، إذ تمثل هذه الثنائيات سر التوازن الاجتماعي والانسجام الوطني، فيما يؤدي إهمالها إلى فراغات يمكن التنبؤ ببعضها، بينما يبقى الكارثي منها في عالم التهديدات المخيفة! ومن تمام الوعي إدراكنا أن مع كل تغير يحصل سلباً أو إيجاباً تتغير وتتبدل الأولويات أولويات النهضة وأولويات الناس وكل إدارة لها لا تعي قوة التغيرات وآثارها، فهي تعاكس ناموس الحياة ومجرى نهرها، ما يهدر الوقت والجهد والمال، ويعطل المصالح العامة والخاصة، والضمانة من هذه الأغلاط هو العمل بعقل المنظومة الذي يعتمد التكاملية والتعاون في إخراج المنتج التنموي. كل ما تقدم يعني أن مفهوم التخطيط لا بد أن يتطور ليلبي حاجات الإنسان ومعارفه الجسدية والعقلية والنفسية والروحية، وأن ينزل من علياء النظرية إلى واقعية الحال، وعند ذلك يفرح المؤمنون. * عضو مجلس الشورى. [email protected] @alduhaim