كان المؤتمر والمعرض الدوليان للجامعات العالمية عبارة عن تظاهرة وتجربة ثقافية تعليمية دولية للجامعات المحلية والإقليمية والدولية، وكان فرصة لكل من يهتم بالتعليم العالي أن يلتقي بممثلي الكثير من الجامعات العالمية، ولكن الحدث اللافت للنظر في ذلك المعرض هو مشاركة الجامعة السعودية الإلكترونية، التي تبين أن قرار إنشائها، هو قرار تاريخي واستراتيجي بكل المقاييس، إذ مثّل نقلة نوعية تواكب متطلبات العصر وتحدياته، فالتعليم الإلكتروني أصبح أحد أنماط التعلم الحديثة التي تحرص الدول المتقدمة أن تتبناه، وهو ما عكسته الكثير من الدراسات الأكاديمية التي تؤكد أن المستقبل للتعليم الإلكتروني، ففي صحيفة «theGuardian»، بتاريخ 12 - 11 - 2012، كتبه Carole Cadwalladr، وترجمة عنوانه هي: «هل تعني الدراسة من خلال «الإنترنت» بداية النهاية للجامعات التقليدية؟»، فنّد فيه الكاتب أهمية النمط الجديد من التعلم الإلكتروني، وأنه، وبحسب آراء المختصين، سوف يكون هو النمط السائد في المستقبل، من خلال تقليص المباني في للجامعات، وعدم بناء فروع لها، والاكتفاء بنقل التعلم عبر استخدام التقنية، وبأقل التكاليف، وهو ما بدأت تتبناه الكثير من الجامعات العالمية، وعلى رأسها جامعة هارفارد «Harvard University»، ومعهد ماسشتشيوس للعلوم والتقنية،MIT» Institution»، من خلال اشتراكهما في تأسيس جامعة إلكترونية سُميت أيديكس «edX»، وهي جامعة مستقلة غير ربحية، لتصبح جامعة هارفارد وإم أي تي لاعبين كبيرين في قطاع التعليم العالمي عبر «الإنترنت»، الذي يشهد دخول أعرق الجامعات حول العالم. كانت «إم أي تي» أطلقت منصة مجانية من المصادر المفتوحة للتعليم عبر «الإنترنت» لتتبناه أي جامعة ترغب في تقديم التعليم عبر «الإنترنت»، ولذلك جاء إنشاء الجامعة السعودية الإلكترونية استجابة لمتطلبات تطور أساليب التعليم الحديثة، وأحد الروافد الداعمة لتنمية الإنسان السعودي وتهيئته بشكل صحيح لسوق العمل. النظرة الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين باستقراء المستقبل، هي التي جعلته يتخذ قراره التاريخي بإنشاء الجامعة السعودية الإلكترونية، لتكون لبنة من لبنات التعليم العالي التي يوليها جل اهتمامه ودعمه، وتسهم مع منظومات التعليم العالي الأخرى في بناء الإنسان السعودي القادر على مواجهة المستقبل بتحدياته المختلفة، ومن خلال الاستخدام الأفضل للتقنية وتسخيرها في التعليم، ولتظهر مدى دعمه لمنظومة التعليم العالي باستحداث البرامج التي يحتاج لها هذا القطاع من جامعات وبرامج ابتعاث ومراكز بحوث تستقطب الباحثين والدارسين من أنحاء العالم كافة. لا شك أن تغيير الصورة الذهنية العالقة بأذهان الجميع حول التعلم الإلكتروني هو تحدٍ كبير، إذ يعتقد الكثير من الناس أن التعليم في الجامعة السعودية الإلكترونية هو استمرار أو تكرار للتعلم عن بعد، أو أنه شبيه بنظام «الانتساب»، لكن الحقيقة هي عكس ذلك، فهو مزيج من التعلم التقليدي والتعلم عن بعد «Blending Learning»، فهو يستلزم حضور الطالب بنسبة 25 في المئة، إضافة إلى أن باقي ال75 في المئة هي عبارة عن تواصل مع الأساتذة وحضور محاضرات عبر استخدام التقنية، وهو ما بيّنه مدير الجامعة السعودية الإلكترونية الملكلف الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى في محاضرته بالمؤتمر، إذ ذكر أن الجامعة السعودية الإلكترونية، تتبنى نمط التعليم المدمج، ويعد هذا النمط من أحدث أنماط التعلم المستخدمة في الجامعات العالمية، ويقوم هذا النوع من التعلم على المزاوجة بين التعليم التقليدي المباشر، والتعليم الإلكتروني باستخدام الفصول الافتراضية والمنتديات التعليمية والأنشطة التفاعلية، كما أضاف الموسى «أن هذا النمط من التعلم قائم على المسؤولية الذاتية والقيادة الفردية للتعلم الذاتي»، وهو ما نسعى له في الجامعة السعودية الإلكترونية، بحسب قوله. أما تعلم اللغة الإنكليزية، فالجامعة أبرمت عقد شراكة مع معاهد ال«إي إف» EF Education First لتعلم اللغة الإنكليزية من خلال «الإنترنت»، ووفرت برنامجاً مميزاً يعد من أفضل البرامج المستخدمة لتعلم اللغة من خلال «الإنترنت»، للمساعدة في إنجاز وإنجاح برنامج السنة التحضيرية في الجامعة. وحول الشروط التي ينبغي على الطالب أن يتمتع بها للدخول في الجامعة، فالجامعة السعودية الإلكترونية لا تشترط أي شروط للقبول، فقط الحصول على الثانوية بالنسبة لمرحلة البكالوريوس من دون النظر لسنة التخرج أو الشروط الأخرى كالسن وغيره، الهدف منها هو منح فرصة التعليم لمن يريده. لقد عقدت الجامعة شراكات مع عدد من الجامعات أبرزها جامعة فرانكلين «Franklin University»، وجامعة كلورادو الحكوميةColorado» StateUniversity» ومع أحد أكثر المدارس تقدماً في العالم لتعليم اللغة الإنكليزية عن بعد «Education First»، وجميع هذه الشراكات أسهمت في بناء برامج الجامعة الأكاديمية ومساعدتها على الانطلاق وفق معايير الجودة العالمية، مع الاستمرار في عقد الشراكات مع المؤسسات التعليمية العالمية لخدمة وتطوير برامجها التعليمية. وبالنظر إلى التخصصات المطروحة في الجامعة نجد أنها بدأت بثلاث كليات، هي كلية إدارة الأعمال، وكلية الحاسب وتقنية المعلومات، وكلية الإدارة الصحية، وهناك خطط لزيادة الكليات والتخصصات، كما أن الجامعة تستحدث الكثير من البرامج التي تسهم في سد الحاجة للوطن كاستحداث برنامج لأمن المعلومات، وهو ما يؤكده المسؤولون بالجامعة دائماً بأن الجامعة حاضنة معرفة لكل ما له علاقة بالتعليم الإلكتروني وبرامجه المختلفة، مسهمة بفاعلية بتقديم خدماتها التعليمية والبرامجية للقطاعات كافة. أعتقد أن قرار وزارة التعليم العالي بحصر التعليم عن بعد في الجامعة السعودية الإلكترونية، ومنح الجامعات التي لديها برامج تعليمية عن بعد مدة خمسة أعوام، بعدها لن يكون هناك قبول في أي جامعة سعودية لبرامج تعليم عن بعد إلا في الجامعة السعودية الإلكترونية هو قرار صائب، ولذلك بدأت الجامعة السعودية الإلكترونية بالتوسع وفتح فروع لها في مختلف مناطق ومدن المملكة، إذ بدأت سنتها الأولى بثلاثة فروع في جدة والمدينة والدمام، يتبعها العام المقبل في الجوف وعسير والقصيم، واضعة في اعتبارها نمو هذا النمط من التعليم. الإقبال الكبير على جناح الجامعة في معرض الجامعات الدولي هو دليل على توقع تقرير صحيفة الغارديان «the Guardian» الذي نبه إلى مستقبل التعليم الإلكتروني، ولذلك كان المؤتمر والمعرض الدوليان للجامعات يحمل شعار الجامعات العالمية بين يديك، ونحن نقول إن وجود الجامعة السعودية الإلكترونية في هذا المعرض جاء ليؤكد أن «المعرفة كلها بين يديك». * أكاديمي سعودي. [email protected]