رفض شيوخ عشائر قضاء الحويجة التابع لمحافظة كركوك أي حوار مع الحكومة، مؤكدين أن «وقت التفاوض انتهى وقد انضممنا إلى جيش الطريقة النقشبندية (بزعامة عزة الدوري) وسنسقط الحكومة بكل الوسائل»، وفيما حذر رئيس الوزراء نوري المالكي من الفتنة، ودعا إلى الحوار لحل الأزمة، طالب الشيخ السني عبد الملك السعدي المراجع الشيعية بتغيير المالكي، وسط اتساع دائرة الاشتباكات المسلحة لتصل إلى محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار. وكان العشرات من الضحايا سقطوا بعد اقتحام قوات الأمن لساحة الاعتصام في قضاء الحويجة فجر الثلثاء الماضي. وشكلت الحكومة لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك للتحقيق في الأحداث وقررت اللجنة إطلاق جميع الموقوفين في الأحداث واعتبار الضحايا شهداء وأن تتكفل الحكومة بعلاج الجرحى داخل العراق وخارجه. لكن القادة المحليين في الحويجة من رجال دين وشيوخ عشائر رفضوا لقاء اللجنة أو التفاوض مع الحكومة أو القوات الأمنية. المالكي يحذر من الفتنة وحذر رئيس الوزراء نوري المالكي العراقيين من فتنة «لا تبقي ولا تذر»، وقال في كلمة متلفزة: «في هذا الظرف الحساس والدقيق، خصوصاً على أهلنا وإخواننا في المحافظات الغربية إنها فتنة والفتنة كالنار تأكل الحطب والهشيم ولا تميز». وأضاف: «أتوجه إليكم مخاطباً من القلب والحرص والرغبة والأمل في أن نرى العراق موحداً ونرى العراقيين إخوة يتعايشون بمحبة وسلام ويساهمون جميعاً في عملية بناء وطنهم بلا تمييز ولا تهميش ولا طائفية وفي ظل الدستور وما نعتقده مسؤولية وطنية. وأقول لكم بكل صدق إن العراق أمانة في أعناقكم جميعاً ولا يحق لأحد أن يتحلل من الأمانة التي ألقاها الله تعالى علينا وحملنا إياها الشعب العراقي حينما جازف وخاطر وذهب إلى صناديق الانتخاب». وزاد: «أيها الإخوة الكرام إن من الخطر الكبير علينا ونحن في هذه الأزمة التي تمر بها المنطقة والعراق أن ندع الأمور بيد المتطرفين والجهلة، ندع الأمور بيد الذين يبحثون عن الفتنة، ندع الأمور وساحات المطالب المشروعة مخترقة بأيدي الذين يريدون أثارة الفتنة لحسابات متعددة ومعقدة». ودعا المالكي «كل العراقيين أولاً، وبالذات وجهاء القوم شيوخ العشائر، ورجال الدين والمفكرين والإعلاميين وكل الذين يشعرون بالقلق على مستقبل بلدهم أن يبادروا ولا يسكتوا للذين يريدون بالإرهاب إكراه البلد على التراجع الذين يريدون إعادة البلد إلى ما كان عليه في الحرب الأهلية والطائفية وأقول للجميع محترماً إرادة الجميع وأشيد بكل من يطالب بحقه إن كان لديه حق مظلوم». وقال إن «ما يحققه الحوار والتفاهم والجلوس إلى طاولة الإخوة والشراكة لا يستطيع أن يحققه الإرهاب والعنف والقتل. المطالب الحقة تتحقق عبر الحوار وعبر آليات الدستور والتفاهم ولا تحقق عبر القتل ودعوات الكراهية والطائفية التي نسمعها يومياً». وتابع أن «عز العراق وعز أي بلد بجيشه وشعبه لأنه هو الذي يصون السيادة ويحمي الإرادة ويوفر العزة والكرامة للمواطنين أولاً وللبلد ثانياً، وأذكركم أيها الإخوة بأن أبناءكم في القوات المسلحة من الجيش والشرطة هم أبناؤكم وإخوانكم وشركاؤكم وهم يتحملون مسؤولية كما تتحملون مسؤولية وأقول لكم لديهم عائلات وأبناء وزوجات ومن حقهم أن يعيشوا ويحظوا بالاحترام والمهابة التي يقتضيها ضبط الأوضاع الأمنية في العراق الذي يتأثر بالمحيط الإقليمي الذي تعج فيه الفتن والمشاكل والتي بدأت إفرازاتها علينا». وأوضح: «بكل صراحة وصدق أقول لولا هؤلاء المخلصين من أبناء هذه المناطق من الشرفاء والعشائر ورجال الدين والمخلصين من الوطنيين والسياسيين لدخلنا الحرب الأهلية مرة أخرى ولدخلنا الحرب الطائفية مرة أخرى ولكن بهذه الأصوات والمواقف تتصاعد مع كل تحد نجد أن العراق ووحدة العراق واستقرار العملية السياسية التي ننادي بها جميعاً كوحدة للبلد هي رهن بالحوار والتفاهم وليس بالعنف والإرهاب والكراهية». وأضاف: «كما نريد مواطناً محترماً نريد عسكرياً محترماً وكما نحاسب المواطن المدني حينما يسيء ويذهب باتجاهات الخطأ ويعرض الأمن كذلك رجل الأمن إذا أساء وتجاوز القانون يحاسب لذلك لن نسمح أبداً أي تجاوز على كرامة المواطن من قبل الأجهزة الأمنية كما لن نسمح أبداً بالتجاوز على كرامة الجيش والشرطة التي هي عز العراق». الحويجة: دعوات للقتال إلى ذلك، قال الناطق باسم المعتصمين في الحويجة حامد الجبوري ل «الحياة» إن «وقت التفاوض قد انتهى والجميع هنا يريد الانتقام والقصاص من قتلة أبناء الحويجة»، مؤكداً أن «الأجواء مشحونة والجميع يطالب بمقاتلة القوات الأمنية والحكومة». وأضاف أن «شيوخ عشائر الحويجة اتفقوا أنه لا يمكن العودة إلى الوراء، لذلك فإن جميع عناصر انتفاضة أحرار العراق انضموا إلى جيش الطريقة النقشبندية لحمل السلاح ضد الحكومة والثأر لشهداء الحويجة». وشدد على أن «لا حوار مع حكومة ملطخة أياديها بالدماء ولا نقبل أي جهة للتفاوض». ولفت إلى أنه «ليس لنا أي خلاف أو ثأر أو مشكلة مع أهلنا وإخواننا الشيعة أو أي طائفة أو قومية في العراق، لكن نريد إسقاط هذه الحكومة بكل الوسائل المتاحة». وحمل الجبوري الولاياتالمتحدة الأميركية مسؤولية «مجزرة الحويجة»، مطالباً واشنطن ب «فرض حظر طيران على قوات المالكي». وأكد أن «ناحيتي سليمان بك وقره تبه تقصف حايا بالطائرات المروحية»، نافياً رفع حظر التجول عن الحويجة. وكانت السلطات العراقية أعلنت أمس، رفع حظر التجوال عن الحويجة وإطلاق سراح جميع المعتقلين البالغ عددهم 42 شخصاً بعد السيطرة عليها، للتأهب ل «طرد المسلحين عن ناحية سليمان بك». بدوره وفي أول رد من نوعه، أفتى أكبر رجل دين سني في العراق الشيخ عبد الملك السعدي، «بجواز مقاتلة القوات الأمنية». وقال السعدي في بيان مخاطباً المعتصمين ،»إلى إخواننا المعتصمين رجالاً وشباباً وعلماء دين وشيوخ عشائر ومثقفين، أُكرِّر لكم القول بضبط النفس ما دامت القوة المسلحة مسالمة، فإن هي فتحت عليكم النار فاحرقوا عليهم الأرض من تحتهم، ودافعوا عن أنفسكم ببسالة وقوَّة؛ فإنَّ الدفاع عن النفس واجب، ومن قُتِل مُدافعاً فهو شهيد، واحرقوا الآليات المستخدمة ضدكم بمن فيها؛ فإن سلامة الأرواح البشرية المجاهدة مقدمة على آلات القتل والدمار والخراب». كما دعا مراجع الشيعة إلى «تغيير السلطة التنفيذية». وأضاف مخاطباً مراجع الشيعة إلى «السادة المراجع الشيعية الدينية في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة ومحافظات العراق الأخرى إنَّ الضحايا المغدور بهم في ساحات الاعتصام هم أبناؤكم وإخوانكم وإن اختلف المذهب والاتِّجاه، وقد سمعتم إلى تصريح مكتب السيد السيستاني (المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني) بمنع قتل أبناء السنة أو أي عراقي آخر»، مبيناً «عهدي بكم أنَّكم لا ترضون بذلك فلا يليق بكم الصمت أو الاستنكار الخجول المتحفظ؛ فإنَّ التُهمة تُوَجّه إليكم بالرضى والانتقام الطائفي، وعهدي بكم الترفُّع عن ذلك لما لكم من مكانة علمية مرموقة تحول دون رضاكم بمثل هذه المواقف». وأكد أن «علاج الموضوع تغيير السلطة التنفيذيَّة برئاستها بآخرين وطنيين من العراقيِّين الآخرين الشُرفاء ممن يستقر العراق تحت رئاسته». وخاطب السعدي العشائر العربية في الجنوب قائلاً: «إنِّي على ثقة بأنَّ ما حصل من هدر للدماء العراقية لا ترضون به؛ لأنَّ آباءكم هم في مُقدِّمة من طردوا الإنكليز لذا أقول إيَّاكم أن تُفرِّقوا بين دم الشيعي أو السني أو المسلم وغيره أو العربي والكردي»، مطالباً تلك العشائر، «امنعوا أولادكم الجنود من تنفيذ ما يُوجَّه إليهم من الحكومة أو قياديهم لقتل الشعب العراقي على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم؛ فإنَّهم أبناؤكم وإخوانكم وأهلكم، وأنا على ثقة أنَّكم لا تؤمنون بما عليه السُلطة من تعميق للطائفية الفعليَّة التي تدفعهم لمثل هذه الأفعال الشنيعة، وأرجو الاستنكار على ذلك؛ لأنَّ المقتول من الطرفين هو ابن العراق وإلاَّ فالسكوت إقرار لما يحصل من الحكومة، وعليكم بذل الجهد لتغيير هذه السلطة الدمويَّة، وهناك من «التحالف الوطني» (الكتلة الشيعية البرلمانية الأكبر التي تقود الحكومة) من هو ذو رحمة بالعراقيِّين ويجعل من نفسه أباً نافعاً لهم في أنفسهم وخدماتهم ويتمتع بحب المُشاركة والإخوَّة بين أطياف الشعب». وزاد: «ما هذه المجازر القذرة من قتل وإعدامات بالجُملة لمكوِّن خاص من العراقيِّين إلاَّ بدافع أميركي تقوم به هذه الزُمرة انتقاماً لقتل جنودهم وطردهم من العراق، وبدافع إيراني بغية تصفية العراق من السنة العرب»، محذراً «إن بقي الأمر على ما عليه الوضع الآن فإنِّي أخشى من أن تسود الثارات العشائريَّة بين أبناء هذا الشعب، فكونوا مغاليق للشر مفاتيح للخير». سحب قوات الجيش من جانبها دعت «القائمة العراقية» المالكي إلى «سحب قطعات الجيش من المدن التي تشهد مواجهات حالياً، ودعت إلى تسليم الملف الأمني فيها إلى السلطات المحلية قبل أي حوار لتهدئة الأوضاع في البلاد، محذرة من «مجزرة جديدة ينوي الجيش القيام بها في ناحية سليمان بك». ورأى الأمين العام ل «الحزب الإسلامي» والقيادي في «العراقية» أياد السامرائي بمؤتمر صحافي مشترك مع النائب أحمد المساري في مبنى البرلمان أن «الأزمة الحالية في البلاد ينبغي معالجتها بحكمة من خلال الحوار ومن خلال البرلمان وليس من تشكيل لجان حكومية»، معتبراً أن «على القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي المبادرة إلى سحب الجيش من المواجهة وتسليم الملف الأمني في المحافظات التي تشهد مواجهات إلى سلطاتها المحلية، وهذا الأمر يضمن إمكانية إجراء محادثات لحل الأزمة الحالية في البلاد». بدوره أكد النائب عن «العراقية» أحمد المساري إن «ناحية سليمان بك تقصف بالطائرات والدبابات من قبل الجيش العراقي»، محذراً من «مجزرة جديدة في سيلمان بك من قبل الجيش ضد رجال العشائر». وعزا المساري انتشار المسلحين في سليمان بك إلى «محاولة الجيش العراقي دخول الناحية الأمر الذي دفع مسلحي العشائر على الانتشار في الناحية». وتشهد مختلف المحافظات العراقية ذات الغالبية السنية مواجهات بين قوات الأمن العراقية ومسلحين منذ حادث اقتحام ساحة الاعتصام في الحويجة الثلثاء الماضي. وتتركز هذه المواجهات في مدينة الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار ومناطق مختلفة من محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى والموصل. نزوح السكان وفرضت الأجواء العسكرية التي تشهدها بلدات واقعة في جنوب محافظة كركوك مخاوف أدت إلى نزوح عشرات الأسر إلى مناطق تابعة لمحافظة ديالى شمال شرقي بغداد هرباً من أعمال عنف متوقعة. ويؤكد عبدالله حسين وهو رب أسرة ل «الحياة» أنه «قرر الفرار بعائلته من منزله الذي يقع قرب مركز للشرطة في وسط الناحية بعد أن تم الاستيلاء عليه من قبل مسلحين معارضين للحكومة الحالية». وأضاف: «هناك من قرر النزوح إلى داخل محافظة كركوك، وآخرين قرروا السفر إلى بغداد». أما سمير عتاب وهو فتى يحمل حقيبة دراسية فيؤكد أن «الظروف قد تضطره إلى ترك تعليمه مجدداً بسبب الأحداث الأمنية المتوقعة والتي يحتمل أن تؤدي إلى تدمير أغلب أحياء الناحية وسط تحليق الطائرات المروحية وقصفها مناطق مختلفة». ويقول الضابط معن عبد الكريم في اتصال مع «الحياة» إن «قوات حكومية اشتبكت منذ ساعات مع المسلحين في مسعى لتطهير البلدة من وجود هؤلاء العناصر المنتمية للتنظيمات المتطرفة». وتقطن غالبية تركمانية ناحية سليمان بك في موازاة أقلية محدودة من الأكراد والعرب. في وقت تشهد قرى عدة عمليات نزوح جماعية أبرزها قرى بسطملي التابعة لقضاء طوزخورماتو.