كان المشهد الذي شكله انتشار قوات الحكومة العراقية أمام ساحة الاعتصام في الحويجة، وهي مدينة عرفت بأنها أساس الوجود العربي في محافظة كركوك المتعددة القوميات ومركز الخلاف بين بغداد وأربيل، يؤكد أن هذه القوات لم تأت للنزهة، وإنما لتنفيذ عملية واسعة، فهي مزودة بطائرات مروحية وعجلات مدرعة ومدافع، وإن كان الغلاف الخارجي هو لمجموعة رفعت اسم الشرطة لكنها في حقيقتها من قوات «سوات» المرتبطة بالمكتب العسكري لرئيس الوزراء نوري المالكي، التي توصف بأنها قوات «غير دستورية» وشكلها المالكي بالتعاون مع الأميركيين لتنفذ عمليات خاصة ضمن «مكافحة الإرهاب»، فيما يقول خصوم رئيس الوزراء، إن تلك القوات تحولت إلى «عصا غليظة يستخدمها المالكي لتثبيت سلطته من خلال ترويع الآخرين». أي محلل عسكري كان سيصل إلى نتيجة مفادها بأن طبيعة التحشيد للقوات التي دفع بها قائد القوات البرية الفريق الركن علي غيدان وأشرف على عمليتها في الحويجة، تكفي لدك حصون وليس مجرد مخيم اعتصام، ببعض قطع السلاح الشخصي في منطقة عرفت بأنها عشائرية وقبلية على نحو كبير، ووجود السلاح الشخصي عند أبنائها أمر يبدو طبيعياً ومسلماً به. صفوف من القطعات تبدأ من «سوات» التي تضع أقنعة وأدوات «شرطة مكافحة الشغب» ولا تنتهي بالطائرات التي باعتها بولونيا إلى العراق ( بضغط أميركي وكنوع من رد جميل حكومة وارسو التي ساهمت بالغزو 2003) على أنها جديدة فيما هي خردة حقيقية وتعود إلى زمن «المعسكر الاشتراكي» السابق. اختيار الصباح الباكر لتنفيذ الهجوم كان أمراً محكماً، فهو سيتم في وقت عادة ما يكون فيه الأهالي وسكان المناطق المجاورة يغطون في النوم، وهو ما سيجعل أي عملية نجدة للمعتصمين صعبة، ويجعلهم «عصفاً مأكولاً» حيال قوات ضخمة العدد والعدة. شخصيات عسكرية عراقية بارزة تحدثت إليها «الحياة» كشفت أن «الخطة كانت أعدت من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة قبل فترة ضمن سيناريو لإفشال حركة الاعتصام الشعبي، وتعتمد الهجوم على «المناطق الضعيفة» في حجم المشاركة الشعبية، عبر البدء بمنطقة «الحويجة» غرب كركوك ثم الانتقال إلى تكريت، ولاحقاً الفلوجة، مدينة وزير الدفاع سعدون الدليمي الذي تعهد لزعيمه، رئيس الوزراء نوري المالكي بنجاح الخطة، وتجنب سفك الدماء». غير أن فجر الثلثاء 23 نيسان (أبريل) كان دموياً بامتياز، فيما أخرجت الحكومة العراقية ملف القاعدة والبعثيين لتعيد حكاية وصف من سقطوا أمام قواتها المدججة بالسلاح والمعدات الأميركية المتقدمة، على أنهم من طائفة «الإرهابيين» الذين تخصصت «سوات» العراقية بمواجهتهم. «إعدامات ميدانية» وقصف بالطائرات تداعيات هجوم الفجر الدموي العراقي الجديد، كانت توزعت ليس على عمليات الثأر الشعبية الفوضوية وحسب (ضرب مواقع وأرتال عسكرية في مناطق التظاهرات، وإعلان الخيار العسكري في ساحات الاعتصام الأخرى التي كانت تصر على خيارها السلمي)، بل سياسية أيضاً ومنها استقالة وزيري العلوم والتكنولوجيا عبد الكريم السامرائي من قائمة «متحدون» بزعامة رئيس البرلمان أسامة النجيفي، ووزير التربية محمد تميم الذي خالف زعيمه نائب رئيس الوزراء صالح المطلك، والوزير المستقيل هو من التكوين الاجتماعي لمناطق الحويجة وما جاورها، والمثير ليس في استقالته التي جاءت على الضد من خيار المطلك، بل في التفاصيل التي كشفها لاحقاً وتتعلق بالسلوك الذي اتبعته القوات العراقية في تعاملها مع معتصمي الحويجة، فهو يؤكد أن «العديد من جرحى معتصمي الحويجة تعرضوا إلى إعدامات ميدانية»، عن طريق قوات النخبة «سوات». وفي سياق متصل بالنهج الذي يعنيه تحول القوات العراقية (أغلب قادتها من الشيعة) إلى قوات قمع وشرطة غاشمة أعلنت النائبة عن التحالف الكردستاني أشواق الجاف، عن أن «مستشفى كفري في صلاح الدين أستقبل (الأربعاء وهو اليوم التالي للهجوم على الحويجة) عشرات المصابين من ناحية سليمان بيك في محافظة صلاح الدين بعد أن تم قصف بعض القرى بالطائرات من قبل قوات الجيش العراقي». الجاف، التي كانت تصرح من داخل المستشفى، أكدت في بيان أن «عشرات المصابين جراء القصف نقلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج». وكانت أوامر قد صدرت من القوات الأمنية «بإخلاء الأسر من ناحية سليمان بيك التي تسكنها الغالبية التركمانية في محافظة صلاح الدين، بعد سقوط قرية منها بأيدي المسلحين». القوات العالية التدريب والتسليح التي هاجمت الحويجة، وقتلت تصويباً عادياً أم عن طريق «الإعدامات» كما يقول الوزير المستقيل محمد تميم، وضربت بالطائرات مركز ناحية «سليمان بيك»، تستعيد صورة سلفها قوات «النظام الديكتاتوري» وهي تضرب المواطنين في شمال البلاد وجنوبها. الإيرانيون ومسلسل التآمر الخليجي التركي الإسرائيلي الإيرانيون الذين أوفدوا وزير الأمن حيدر مصلحي إلى العراق قبل أسبوعين وشددوا في لقاء مصلحي مع قادة «التحالف الوطني» الشيعي على ضرورة التنبه إلى «المخطط السني» المتمثل بإثارة الاعتصامات والاحتجاجات، قرأوا الهجوم على الحويجة عبر ما نشرته وكالة أنباء فارس الإيرانية ضمن تقرير حمل عنوان «أحداث الحويجة العراقية بنظرة إقليمية وفي إطار المشروع الصهيوني». وبدا لافتاً في التقرير، والذي اعتمد هيكله على «خبير» عراقي، الإشارة إلى أن ما حدث هو جزء من مخطط حلف تركي قطري إسرائيلي، وهي اللغة ذاتها التي دأب على ترديدها سياسيون عراقيون مقربون من ائتلاف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، في اتهام المنتفضين والمعتصمين، وآخر تلك الاتهامات ما وجه لمعتصمي الحويجة بوصفهم من البعثيين والقاعدة والنقشبندية! وتورد الوكالة الإيرانية: «يرى عدد من السياسيين والخبراء أن الأحداث التي جرت صباح الثلثاء في قضاء الحويجة جنوب غربي محافظة كركوك وما تبعها من آثار امتدت إلى بقية المحافظات الغربية التي تشهد تظاهرات منذ ثلاثة اشهر، جزء لا يتجزأ من المشروع القطري التركي الإسرائيلي، من اجل الوصول إلى البحر المتوسط» (تركيا وإسرائيل هما على المتوسط أصلاً). ويعيد الإيرانيون الرواية الرسمية لقادة المالكي ونواب ائتلافه فتقول «اندلعت الاشتباكات صباح يوم الثلثاء في قضاء الحويجة بين الجيش العراقي ومسلحين داخل ساحة الاعتصام كانوا قد استولوا على أسلحة من نقطة تفتيش تابعة لقوات الأمن العراقية، ونتيجة ذلك الاشتباك راح عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، فيما حمّلت وزارة الدفاع القائمين على ساحات الاعتصام مسؤولية إيواء عناصر تنظيم القاعدة والبعثيين». ويغمز الإيرانيون من قناة رجل الدين السني البارز الذي يوصف بالاعتدال وتأكيده ضرورة إبقاء الاحتجاجات في إطار سلمي، ويقولون «في بداية اندلاع المواجهة في قضاء الحويجة أصدر رجل الدين الشيخ عبدالملك السعدي بياناً حرّض فيه المواطنين على مواجهة قوات الأمن العراقية»، من دون أن تنسى «فارس» القول إن «القوات العراقية هي التي وفرت الحماية منذ ثلاثة أشهر لساحات الاعتصام». وتستعرض الوكالة الإيرانية حدث الحويجة فتقول:» تجدر الإشارة إلى الدور الثلاثي في المنطقة «إسرائيل - تركيا - قطر» وتسأل ما هو المخطط الجديد»؟ معتمدة على إجابة الخبير الستراتيجي العراقي احمد الشريفي (.....) الذي يوضح أن «هيئة علماء المسلمين تحدثت في بيان لها عن صفحة جديدة من المعركة مما يدل على أن الأحداث مرتب لها بأن تكون بداية تظاهرات سلمية ومن ثم تتحول إلى مواجهات مسلحة، معتبراً أن كل تلك الأعمال هي ضد العملية السياسية». ويقول الشريفي في حديثه مع وكالة أنباء فارس إن «ما يجري اليوم هو صفحة من صفحات المعركة التي خطط لها في غاية الدقة»، وإنه بعد ساعات محدودة من انطلاق الاشتباكات خرج رئيس البرلمان أسامة النجيفي، وطالب بتدويل القضية وكأن الأحداث تجري بسلسلة أوقات معينة»، موضحاً «أن ما يجري الآن هو ترتيب لتشكيل ما يطلق عليه ب «الشريط السني» الذي من المقرر له أن يجتزئ من العراق، والغاية منه الحصول على البترول ووصول موارد الطاقة إلى حوض البحر المتوسط مروراً بسورية».