«فضيلة القاضي.. أطلب إلزام المدعى عليه بإعادة السيارات التي يستغلها في مؤسسته وإعطائي مبلغ 70000 ريال». هذا نموذج من الدعاوى التي تغرق بها مكاتب القضاة في محاكمنا، فإذا عرفت أسماء أطرافها فلن تعرف بأية صفة يتداعون وعلى ماذا يختصمون، فبعض المدعين يتقدم بدعواه إلى القضاء مفترضاً اطلاع القاضي مسبقاً على أصل المنازعة بينه وبين خصومه، حتى إن منهم من يستنكر على القاضي استفساراته الاستيضاحية عن الدعوى وأطرافها، فتمضي أوائل جلسات التقاضي في تحرير دعوى المدعي. ناهيك عمن يبدل طلباته أثناء سير الدعوى كلما بدل ثيابه، فيستنزف وقت القاضي وجهده ولمّا يستقر على طلبات محددة. القاضي - يا عزيزي المدعي - كأي شخص آخر على غير اطلاع بقضيتك، وليس على معرفة بشخصك الكريم ولا بخصمك، ولا على دراية بالذي جمعكما أو فرقكما. وهذا يستلزم منك بيان ذلك للقاضي، بشمولية تستوعب ما هو جدير بالذكر والإيراد، وتهمل ما هو غير مؤثر أو منتج. فإذا أردت أن تعرض دعواك فالواجب أن تستحضر أثناء عرضها النقاط المهمة التي تجعل أية قصة من قصصك المروية مفهومة عند سامعيها. هذا هو المطلوب باختصار شديد. فتعرّف بالمدعي ابتداءً وصفته في الدعوى (بائع مثلاً) والمدعى عليه وصفته (مشترٍ)، ثم سبب الالتزام (عقد)، ثم تختم الدعوى بالطلب المتسق مع الدعوى المسرودة سابقاً. هذه الفراغات في الدعوى لا يتصدى القاضي لملئها بل هي من مهمات المدعي ومن واجباته. وموطنها أثناء تحرير صحيفة الدعوى وليس في جلسات المرافعة. تحرير الدعوى وصياغتها نصف المرافعة، وهو فنٌ له أصوله وقواعده عند أهل الاختصاص، يُعرف بالدراسة، ويُتمكن منه بالخبرة، ويبرعُ فيه من صقلته التجربة، ولعله يتاح الحديث عنه بمزيد من البيان في مقالاتٍ قادمة. وقبل ختام المقالة أيها القارئ الكريم أقول لك: إذا كنت مهتماً بمعرفة أسباب تأخر الفصل في القضايا، فما قرأته في السطر الأول من هذه المقالة هو أحدها بلا شك. * القاضي بديوان المظالم سابقاً. [email protected]