توافَقَ إعداد مصر لحرب أكتوبر مع تطور في علاقات القوتين العظميين آنذاك، الولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، اللذين اتجها منذ بداية السبعينات إلى بناء ما سوف يعرف بعد ذلك بالوفاق الذي كان يهدف إلى نقل العلاقة بينهما من المواجهة إلى التفاوض. ودشن هذه العلاقة مؤتمرا القمة اللذان عقدا في موسكو في أيار (مايو) 1972 وواشنطن في حزيران (يونيو) من العام ذاته. وتابع أنور السادات هذين المؤتمرين، بخاصة في ما يتعلق بتناولهما الوضع في الشرق الأوسط، وتوقف كثيراً عند ما ورد في بيان قمة موسكو عن إعادة تشديد القوتين على تسوية سلمية في الشرق الأوسط، بما «سيتيح بخاصة النظر في خطوات إجراء استرخاء عسكري في المنطقة». وأثارت هذه العبارة السادات الذي فسرها على أن تلك التسوية ستؤثر في ما تتوقعه مصر من إمدادات عسكرية سوفياتية. وتجدر الإشارة هنا إلى ما كتبه هينري كيسينجر بعد ذلك في تفسير مقاصد واشنطن من هذا البيان بقوله: «إن الولاياتالمتحدة تعمّدت أن يصدر البيان المشترك في ما يتعلق بالشرق الأوسط على أكثر الصور اعتدالاً، إذ إن ذلك من شأنه أن يقنع القادة العرب، على الأقل المعتدلين منهم، بأن السوفيات غير قادرين على تحقيق تسوية، وأن خلق هذا الموقف هو ما كانت تعمل له الولاياتالمتحدة منذ ثلاث سنوات». وعندما كانت السفارة المصرية في موسكو تثير القلق المصري من هذا البيان خصوصاً في ما يتعلق بالاسترخاء العسكري، قال المسؤوولون السوفيات إنهم لم يتصوروا هذا إلا بعد تحقيق تسوية مقبولة في الشرق الأوسط. وفي الأيام الأولى من الحرب بدا الاتحاد السوفياتي السياسي والعسكري مؤيداً للعرب، ففي 8 تشرين الأول (أكتوبر)، قال الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف أمام رئيس الوزراء الياباني الزائر: «إن ما يجري الآن في الشرق الأوسط هو معركة بين إسرائيل المعتدية ومصر وسورية ضحيتي العدوان اللتين تجهدان لتحرير أراضيهما. ومن الطبيعي أن تكون عواطفنا إلى جانب ضحايا العدوان». وعلى المستوى العسكري، أقام الاتحاد السوفياتي منذ يوم 9 تشرين الأول جسراً بحرياً وجوياً لتزويد مصر وسورية العتاد الذي شمل عدداً لم يحدد من صواريخ «سكود» التي كان مداها يسمح بضرب تل أبيب من الأراضي المصرية. وقد يفسر هذا تهديد السادات في 16 تشرين الأول بأن مصر تملك صواريخ قادرة على الضرب في عمق إسرائيل. أما الموقف الأميركي مع انتهاء الأسبوع الأول من القتال، فكان يميل إلى التقليل في شكل غير مباشر من أهمية الإمدادات السوفياتية. ولم تكن واشنطن تريد التورط في الحرب، لأن التأييد العلني لإسرائيل سيؤدي إلى تهديد المصالح الأميركية في السعودية وأنحاء أخرى من الشرق الأوسط. غير أن السوفيات تجاهلوا النداءات الأميركية في الأيام الخمسة عشر الأولى من الحرب، وحين أدركوا جدية التحذيرات الأميركية وتخوفوا من تحول العمليات العسكرية في مصلحة إسرائيل، بدأوا التحركات السياسية يوم 16 تشرين الأول حين وصل رئيس الوزراء السوفياتي أليكسي كوسيغين إلى القاهرة حيث أمضى ثلاثة أيام. ومن ناحية أخرى لجأ بريجنيف إلى إعلان المبادئ الذي كان صدر عن القمة السوفياتية - الأميركية الأولى والذي دعا إلى التشاور والتنسيق في حالات الصراعات التي يمكن أن تهدد بالمواجهة بين القوتين. فقد دعا بريجنيف وزير الخارجية الأميركي كيسينجر إلى زيارة موسكو يوم 20 تشرين الأول، وتوصل الجانبان إلى مشروع قرار قُدم إلى مجلس الأمن في 22 من الشهر نفسه، يدعو إلى الوقف العاجل لإطلاق النار وتنفيذ قرار مجلس الأمن تحت الرقم 242 للعام 1967. ومع خرق إسرائيل قرار وقف إطلاق النار طلب الرئيس المصري إرسال قوات مشتركة أو منفردة من إحدى القوتين إلى الشرق الأوسط. وتوازى الرفض الأميركي لهذا الطلب مع تقدير أن ثمة تحركات عسكرية واضحة قامت بها القيادة السوفياتية العليا تركت الانطباع لدى الأميركيين عن احتمال إقدام السوفيات على إقامة جسر جوي لإرسال قوات قتالية إلى الشرق الأوسط. وأدى هذا إلى أن يعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس شليسنغر في 15 تشرين الأول حال التأهب العالمي للقوات العسكرية الأميركية. وجاء رد الفعل السوفياتي حاداً، إذ اعتبرت موسكو أن هذه الخطوة «لا تخدم الوفاق الدولي، وأن هدفها هو إخافة الاتحاد السوفياتي، ولكن هؤلاء الذين وراء هذه الخطوة يجب أن يقال لهم إنهم اختاروا العنوان الخاطئ». وأعقب هذا رفع الولاياتالمتحدة في شكل جزئي حالة التأهب على أثر اتفاق بين موسكووواشنطن وموافقة مجلس الأمن على قرار تبنته 8 دول من مجموعة عدم الانحياز يقضي بألا تشارك الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن في قوات حفظ السلام. وفي اليوم نفسه، أعلن بريجنيف أن موسكو سترسل ممثلين من الضباط الكبار يرتدون الملابس المدنية، الأمر الذي يبعدهم كثيراً عن التدخل، كما أعربت واشنطن عن نيتها إرسال عدد صغير من المراقبين إذا ما طلب منها ذلك. وهكذا كما عبر الرئيس الأميركي تلاشت «أصعب أزمة واجهت البلدين منذ أزمة الصواريخ الكوبية». * المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية