أهي سيرة أم رحلة؟ قصة حياة أم أسطورة؟ كتابة إبداعية أم ثورة؟ هذه الأسئلة التي طرحت نفسها في الجزء الأول من سيرة إبراهيم الكوني «عُدوس السرى» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، عادت لتحاصر قارئ الجزء الثاني من السيرة التي أبقى الكاتب على عنوانها الرئيس «عُدوس السرى»، والفرعي أيضاً «روح أمم في نزيف ذاكرة». في هذا الجزء يستكمل الروائي الليبي المعروف إبراهيم الكوني سيرته التي كتبها بعد رحلة طويلة في سبر أغوار الصحراء وعوالمها الغريبة، فغدت سيرته أشبه برحلة تقتفي حكاية توحّد الكاتب وروح الصحراء التي خرج منها، لتُصبح هي بطلة عالمه المتخيّل والواقعي أيضاً: «الصحراء لم تُخطئ في حقي عندما قدّمت لي البرهان مجسداً: قدّمت لي بلسان الريح المتلاعب بذرّات الرمال ملحمة الباطل مجسدّة في مرأى الهباء في غسق ذلك اليوم وهو يُشكّل حيناً ليتحلّل حيناً آخر بعد لحظة تالية. كان ذلك خطاب الصحراء عن الباطل، الخطاب الذي لا يأتيه الباطل، لأنّ التجربة تالياً برهنت على هويته كحقيقة وكلّ ما سواه استثناء، وبرهنت كلّ تجربة دنيوية على هويتها كباطل لا حضور لحقيقته إلاّ في رحاب البعد المفقود ونزيف الذاكرة، لهذا السبب، طواف لجوج لبلوغ هذه التخوم: تخوم البعد المفقود». يتمسّك إبراهيم الكوني في الجزء الثاني من سيرته التي كتبها بأسلوب شيّق ولغة عربية غنية بالمفردات العربية الأصيلة التي تتناسب وجوّ الصحراء العربية التي كونّت شخصيته. وهذا ما يتلمسّه القارئ من العنوان نفسه «عدوس السرى». واللفظ مأخوذ من إبن دريد، والذي يعني الرجل الذي يقوى على السرى. يقع الكتاب الضخم في 490 صفحة، تتوزّع فصوله على 32 جزءاً، على أن يصدر الجزء الثالث لاحقاً. إبراهيم الكوني هو أحد أشهر الكتاب الليبيين، حمل روح الصحراء في أعماقه وكتاباته، وهو من الأشخاص الذين عايشوا مختلف المراحل التي مرّت بها ليبيا، قبل الثورة الأولى بعدها، معلناً موقفه النقدي من القذافي وسياسته، وصولاً إلى ثورة «الربيع الأخيرة» التي كانت له مواقف فيها أيضاً.