دولة تتساقط أركانها ركناً إثر ركن، وتكاد تنهار، وربعُ سكانها لاجئون أو نازحون، يخرج رئيسُها على الناس في إحدى القنوات، ليكرر الأسطوانة المشروخة نفسَها حول أن جماعات إرهابية تقف وراء الحرب الأهلية التي تدور رحاها في بلاده. بماذا يمكن أن توصف هذه الدولة ويوصف هذا الرئيس؟ أليس من العقل والمنطق والإنصاف والعدل أن نصفها بأنها دولة مفلسة آيلة للسقوط، يحكمها نظام استبدادي طائفي قاتل يقوده رئيس فاقد للوعي ومندفعٌ بروح ٍ طائفية؟ تقول تقارير المفوضية العليا للاجئين، التابعة للأمم المتحدة، إن عدد النازحين داخل الأراضي السورية بسبب النزاع القائم حالياً، بلغ نحو أربعة ملايين، إضافة إلى نحو مليون ومئتي ألف لاجئ أجبروا على مغادرة بلدهم إلى الدول المجاورة، في كل من الأردن ولبنان وتركيا والعراق، وهو ما يعني أن ربع السوريين البالغ عددهم نحو 22 مليوناً، أجبروا على ترك منازلهم بسبب الأزمة السورية. ولكن هذه التقارير لم تشر إلى تدفق اللاجئين السوريين على دول عربية أخرى مثل مصر ودول الخليج العربي والجزائر والمغرب، ودول أوروبية يفد إليها اللاجئون. إننا إزاء حالة شاذة لم تعرفها الإنسانية من قبل، لا في هذا العصر ولا في العصور التاريخية السابقة. ربعُ سكان دولة تمارس الإرهاب الحقيقي ضد شعبها، ولا يزال رئيسُها يرفض الاعتراف بالحقائق على الأرض، ويصر إصراراً عجيباً على الزعم أن عصابات إرهابية هي التي وراء هذا الخراب والدمار والقتل المتواصل الذي يجري في بلاده. هذا منتهى الاستكبار وقمة الطغيان. ومهما يكن من أمر، فإن هذه الملايين الخمسة من اللاجئين والنازحين (ولا يهمّ الاسم، فالأمر سيان) السوريين، ثلثهم من الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة، هم مسؤولية في ذمة الإنسانية، وهم أولاً وقبل كل شيء، مسؤولية في ذمة العرب والمسلمين قاطبة... وإن روسيا وإيران اللتين تدعمان هذا النظام الطاغي المستبد المتحدي للضمير الإنساني، تتحملان جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية. كما يتحملها كل مَن يؤازر هذا النظام ويقف إلى جانبه، ونخص بالذكر أذناب النظام الإيراني وأتباعه في المنطقة ممن يرفعون شعار المقاومة والممانعة. من المهازل أن روسيا قدمت قدراً محدوداً من المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين في لبنان، وكان أحرى بها أن تردع النظام في دمشق حتى يكف عن قتل الشعب وتدمير البلاد وتخريب معالم الحضارة الإنسانية العظيمة فيها، لتكون تلك هي المساعدة التي تقدمها لهذا الشعب المظلوم النازفة دماؤه. ولكن كيف يمكن العرب والمسلمين بصورة عامة، أن ينهضوا بالمسؤولية تجاه اللاجئين والنازحين السوريين؟ الواقع أن من الطرق التي يمكن أن تسلك في هذا الاتجاه، مؤازرة الدول المضيفة للاجئين، وهي تحديداً الأردن ولبنان وتركيا والعراق، من أجل أن تستمر في تقديم الخدمات الإنسانية العاجلة لهؤلاء اللاجئين. الأردن ولبنان، مثلاً، يكادان أن يكونا عاجزين عن توفير الإمدادات اليومية لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين فوق أراضيهما، لشح مواردهما، ولقلة المساعدات التي تصلهما من الخارج. ولذلك فهما أحوج إلى الدعم المالي العاجل من الدول العربية الإسلامية، ومن دول العالم عموماً. وحتى تركيا التي لديها موارد أضخم وإمكانات أكبر بكثير من موارد الدولتين العربيتين وإمكاناتهما، باتت تشكو في السر من ثقل الأعباء التي تتحملها لسدّ الاحتياجات الملحّة للاجئين السوريين. أما بالنسبة الى الأطفال والطلاب من اللاجئين السوريين، الذين يحرمون من الحق في التعليم، فيمكن أن تتضافر جهود المنظمات الدولية والإقليمية ذات الاختصاص، مثل اليونسيف، واليونسكو، والمفوضية العليا للاجئين، ومنظمة التعاون الإسلامي والمنظمات التي تعمل في إطارها، وبخاصة البنك الإسلامي للتنمية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، وجامعة الدول العربية وما يعمل في إطارها من منظمات، منها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، والبنك الإفريقي للتنمية، والاتحاد الإفريقي، في إطار خطة عمل استعجالية إنقاذية. كما يمكن أن يكون للبنك الدولي إسهام في هذا أيضاً، لأنهله اهتمامات بشؤون التربية والتعليم. ويمكن أن تخصص الجامعات في الدول العربية الإسلامية، منحاً دراسية، بصفة استثنائية، لاستقبال أعداد محدودة من الطلاب السوريين اللاجئين. ويمكن كذلك أن تتولى المؤسسات التعليمية في العالم العربي الإسلامي، الإنفاق على تعليم عدد من الأطفال والطلاب حيث يوجدون داخل المخيمات، وأن تتبنى كل مؤسسة عدداً من الأطفال والطلاب من دون أن يبرحوا مخيماتهم. أما النازحون داخل سورية، فأمرهم متروك للمنظمات الدولية، لأن النظام المستبد الرابض هناك على صدور السوريين، لن يسمح بدخول المساعدات من المنظمات العربية والإسلامية. ولذلك يمكن أن تتعاون هذه المنظمات جميعاً في إنجاز هذه المهمات الإنسانية والإنقاذية العاجلة. إنها كارثة إنسانية عظمى المسؤول عنها هو هذا النظام الاستبدادي الطائفي الذي لم يردعه المجتمع الدولي حتى الآن، والذي يحتمي بروسيا التي تحرص على مصالحها وتخشى من وصول ما تسميه ب «الإرهاب الإسلامي»، وهي تسميه باطلة، إلى الشعوب الإسلامية المضطهدة والمغلوبة على أمرها في جمهورية روسيا الاتحادية، كما يحتمي بإيران الطامعة في الأرض العربية، والطامحة إلى فرض هيمنتها على دول المنطقة ونشر مذهبها بقوة المال والخداع والنفاق والادعاءات الباطلة. ونحن جميعاً مسؤولون عن استمرار هذه الكارثة الإنسانية المروعة، وإن كانت المسؤولية تتفاوت من جهة إلى أخرى. ولكننا جميعاً يجب أن نكون جادين في مبادراتنا لإنقاذ سورية وشعبها الكريم من براثن الحقد الطائفي المقيت الذي انكشفت سوأته وبان كذبه وتضليله. * أكاديمي سعودي