عمد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو قبل مغادرته إسرائيل أمس في جولة اوروبية، إلى خفض سقف التوقعات من لقائه المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل غداً في لندن قائلاً إن هذا اللقاء لن يكون الأخير بينهما، وإن ثمة حاجة إلى لقاءات أخرى تمهّد لاستئناف العملية السياسية في الشرق الأوسط. لكنه أطلق في المقابل تصريحات «متفائلة» استهدفت الآذان الأميركية بهدف التمهيد لأجواء ايجابية للقائه ميتشل. وقال الناطق باسم رئيس الحكومة نير هيفيتز امس ان نتانياهو لا يتوقع انفراجة كبيرة في اجتماعه مع ميتشل، لكنه يأمل باستئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين خلال شهرين. وأوضح: «رئيس الوزراء يتوقع احراز تقدم ما، لكن لا يتوقع حدوث انفراجة كبيرة»، مضيفاً أن نتانياهو سيوضح أن اسرائيل تنوي أن «ترعى الحاجات الطبيعية» لمستوطنيها «الى جانب عملية سياسية ستطلق خلال نحو شهرين». وتتضمن زيارة نتانياهو للندن وبرلين، والتي تستمر اربعة أيام، محادثات مع رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون اليوم، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكليهما ينتقد سياسة الاستيطان. وقالت مصادر بريطانية رسمية ان براون سيؤكد اهمية استئناف عملية السلام وتنفيذ التعهدات الواردة في «خريطة الطريق»، وسيحض ضيفه على ضرورة التزام وقف الاستيطان لأنه يمثل عقبة في طريق السلام ويحول دون تحقيق التقدم المطلوب. وأضافت ان براون سيشدد على اهمية الدور الأميركي في عملية السلام، خصوصاً في ضوء تعهدات الرئيس باراك اوباما في شأن ضرورة تحقيق التسوية الشاملة بين العرب وإسرائيل واغتنام الفرصة المتاحة حالياً لذلك. وتنضم بريطانيا الى اميركا في ضرورة ان يقدم العرب اشارات ايجابية تجاه اسرائيل في مقابل اي خطوات تتخذها تل أبيب. واتفق معلقون اسرائيليون على استبعاد أن يسفر اجتماع لندن عن اتفاق على المطلب الأميركي بتجميد البناء في المستوطنات نظراً الى رفض إسرائيل التجاوب مع هذا المطلب قبل معرفة «المقابل» الذي ستحصل عليه، سواء من الولاياتالمتحدة أو من الفلسطينيين ودول عربية تطالبها إسرائيل باتخاذ خطوات بالتطبيع معها. لكنهم استبعدوا ايضاً أن يؤدي عدم التوافق إلى تأزم العلاقات بين تل أبيب وواشنطن بعد أن اتفق الجانبان على خفض نبرة التصريحات التي يمكن تفسيرها تحدياً. رسائل الى واشنطن وكانت أوساط نتانياهو سربت الأسبوع الماضي إلى وسائل الإعلام معلومة تفيد أن نتانياهو ووزير الدفاع ايهود باراك ووزير الإسكان من حركة «شاس» الدينية المتزمتة شلومو أتياس، اتفقوا على تعليق استدراج العروض لبناء شقق جديدة في الضفة الغربية حتى مطلع العام المقبل. واعتبر مراقبون تسريب الخبر، بالرغم من عدم قيام أي جهة إسرائيلية حتى الآن بتأكيده، رسالة إلى واشنطن تقول إن إسرائيل مستعدة لتليين مواقفها في انتظار «مقابل» أميركي وفلسطيني وعربي مغرٍ. كما شكلت تصريحات وزير الخارجية افيغدور ليبرمان بأنه لا يرسم خطوطاً حمراً لنتانياهو وأنه لن يعرقل محاولات الأخير للتقدم نحو مفاوضات مع الفلسطينيين، رسالة مماثلة. ويبدو أن نتانياهو قبل بنصيحة باراك التي يدعمها عدد من وزراء الحكومة بأنه لا ينبغي عليه قول لا للولايات المتحدة بل انتهاج سياسة «نعم ولكن» بحيث تلغي الشروط الإسرائيلية التي تضاف للموقف الإيجابي مفعول ال «نعم». وثمة من يعتقد حتى بين وزراء اليمين أنه يجدر بإسرائيل أن تراوغ وتبقي مواقفها ضبابية بداعي أنه في كل الأحوال سيرفض الفلسطينيون والعرب الشروط الإسرائيلية، فتُعفى الدولة العبرية من أي لائمة على عرقلة العملية السياسية. وأدرج مراقبون في هذا السياق إعلان نتانياهو في اجتماع الحكومة أول من أمس أن ثمة نية للبدء بالمحادثات مع الفلسطينيين نهاية الشهر المقبل، ملمحاً إلى إمكان عقد قمة ثلاثية في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة تجمعه بالرئيسين باراك اوباما ومحمود عباس. وسرعان ما تبين من التعقيب الفلسطيني أن هاتين المسألتين لم تحسما، ليعتبر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة تصريحات نتانياهو «محاولة لتضليل الرأي العام الدولي والمجتمع الدولي، وللتغطية على استمرار النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية». تفويض من الحكومة وتشير التقارير الصحافية في إسرائيل إلى أن نتانياهو يملك تفويضاً من حكومته للتفاوض على وقف موقت للبناء في المستوطنات في الضفة الغربية، لكنه تفويض مثقل بشروط في مقدمها استثناء القدس التي تعتبرها إسرائيل خارج كل نقاش بداعي أنها ليست محتلة. وعند سفره أمس، نقلت الصحف الإسرائيلية عن اوساطه القريبة قوله إنه سيبلغ ميتشل رفض إسرائيل قبول أي قيود تتعلق بالقدس، فضلاً عن أنه يجب تمكين مستوطني الضفة من القيام بحياتهم العادية. وبين الشروط أيضاً السماح بمواصلة بناء أكثر من 2500 شقة سكنية تقول إسرائيل إنها قيد الإنشاء ولا يجوز لحكومتها قانونياً وقف البناء، وذلك من خلال تفاهمات واضحة وخطية إذا أمكن مع الأميركيين في شأن إتاحة البناء في الكتل الاستيطانية مع انتهاء فترة التجميد. وفوق كل هذا تطالب إسرائيل بجملة إجراءات تطبيع من دول عربية لا تقيم علاقات معها. وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن نتانياهو بات يملك تأييد غالبية أعضاء «الهيئة (فوروم) السداسية» التي شكّلها وغدت بمثابة «المطبخ السياسي» الذي يتخذ القرارات الحاسمة. فبالإضافة إلى نتانياهو الذي يبدي موافقة على تجميد البناء لثلاثة اشهر، يدعم باراك دفع عملية سلام إقليمية تقودها الولاياتالمتحدة ويقترح أن تمتد فترة تجميد البناء إلى ستة أشهر، علماً أن الأميركيين يطالبون بأن تمتد لعامين تجرى خلالهما مفاوضات التسوية الدائمة. من جهته، يؤيد وزير شؤون المخابرات دان مريدور استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بهدف إنهاء التوتر الذي نشأ مع الولاياتالمتحدة على خلفية الاستيطان. ليبرمان لن يعرقل سياسياً وشكلت تصريحات وزير الخارجية زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف أفيغدور ليبرمان أول من أمس وقوله انه بالرغم من عدم إيمانه بالعملية السياسية مع الفلسطينيين وباستحالة التوصل إلى تسوية دائمة، إلا أنه لن يعرقل الجهود السياسية التي يبذلها نتانياهو في هذا الاتجاه، رسالة إلى الأخير تقول إن ليبرمان لن يصوت في «فوروم السداسية» ضد تفاهمات مع ميتشل، وقد يمتنع عن التصويت، ما يضمن لنتانياهو غالبية من ثلاثة أعضاء لإقرار تفاهمات مع واشنطن، في مقابل معارضة القطبين الآخرين من «ليكود» وزير الشؤون الاستراتيجية موشي يعالون الذي دعا الأسبوع الماضي إلى تكثيف الاستيطان وعدم الرضوخ للضغوط الأميركية، ووزير الدولة بنيامين بيغين الذي يلتزم الصمت ويعتقد أن من الحكمة بمكان ألا تظهر إسرائيل كمن يرفض التفاوض «لأنه في كل الأحوال سيجهض الفلسطينيون المفاوضات».