أدت «الاتصالات» التي يجريها مسؤولون أميركيون مع الرئيس محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض، في محاولة لإنهاء الخلاف بينهما الذي نتج عنه تقديم فياض استقالته، إلى تأجيل اللقاء المقرر أمس بين الرجلين، الذي كان من المتوقع أن ينتهي الى حدوث افتراق بينهما. ونقلت «فرانس برس» الجمعة عن مسؤول فلسطيني رفض ذكر اسمه، أن «وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصل هذه الليلة (ليل أول من أمس) مع عباس وطلب منه تطويق ازمة استقالة فياض من منصبه وحل الإشكال». وأضاف أن «واشنطن دخلت على أزمة فلسطينية داخلية، وهذا تدخل في الشؤون الداخلية بشكل علني، إذ إن تصريحات مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية الخميس أن فياض لم ولن يستقيل، وأنه باق في منصبه، هو رسالة سياسية نفهمها جيداً». وأضاف أن «اتصال كيري مع الرئيس عباس هو استكمال لهذا التدخل الذي يحصل للمرة الثانية خلال أقل من أربع وعشرين ساعة». ولم يصدر عن الرئيس ورئيس وزرائه بعد أي إشارة تدل على حدوث تغيير في موقفيهما، غير أن تأجيل اللقاء الذي كان مقرراً بينهما أمس، يشير إلى أن العمل جار للبحث عن مخرج. وقال مقربون من عباس إن اللقاء تأجل إلى ما بعد عودة عباس من زيارة إلى الكويت غداً الإثنين، حيث من المقرر أن يفتتح سفارة فلسطين التي أغلقت عقب تحريرها من الاحتلال العراقي عام 1991. وتسعى الإدارة الأميركية، صاحبة التأثير الكبير على السلطة والمانح الأكبر لها، إلى حل وسط يبقي عباس وفياض رأسين للسلطة الفلسطينية، الأول بسبب دوره السياسي المهم كرئيس للقيادة الفلسطينية، والثاني بسبب دوره في الإشراف على أموال المانحين، القلقين من الفساد في السلطة، والذي وصل إلى مستويات كبيرة جداً قبيل توليه وزارة المال فيها ثم رئاسة الوزراء. والمفارقة أن الضغوط الأميركية على الرئيس الراحل ياسر عرفات في 2003 قادت إلى خلق منصب رئيس الوزراء في السلطة بهدف تقليص صلاحيات عرفات لصالح رئيس الوزراء آنذاك، محمود عباس. واليوم تتدخل الإدارة لدى عباس ليمنح صلاحيات مماثلة لرئيس وزرائه سلام فياض. يذكر أن عباس استقال في حينه من رئاسة الوزراء بعد شهور قليلة من توليه المنصب لعدم تمكنه من الحصول على صلاحيات حقيقية من عرفات، وأطلق أنصار عرفات في ذلك الوقت لقب «كرازي» على عباس، في إشارة إلى الرئيس الأفغاني الذي وصل الى الحكم على ظهر دبابة أميركية. واليوم يشن أنصار عباس الحملة ذاتها على فياض، ويتهمونه بالاتهامات نفسها التي وجهت إلى عباس قبل عشر سنوات. وسواء كانت النتيجة استقالة فياض أو تراجعه وتسوية الخلاف، فان الفلسطينيين يدركون أن الخلاف بين عباس وفياض يدور حول الصلاحيات وليس السياسات، فكلا الرجلين ينتمي إلى المدرسة السياسية التي تتسم بالبراغماتية والقريبة من الغرب ذاتها، وبقاء فياض أو رحيله لن يغير الكثير في سياسات السلطة ومواقفها. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن أمين سر المجلس الثوري لحركة «فتح» أمين مقبول السبت ان «الرئيس عباس أجل الحسم في مسألة استقالة فياض لحين اتضاح الصورة، لاحتمال تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي ستكون برئاسة الرئيس عباس» والتي يتم التشاور في شأنها مع حركة «حماس». واوضح ان «الموقف الفلسطيني وموقف الرئيس عباس شخصيا لا يخضع لضغوط اميركية او اوروبية في اي من القضايا سواء كانت سياسية او داخلية»، في اشارة الى استبعاد الولاياتالمتحدة استقالة فياض، مشدداً على ان «الرئيس عباس لم يحسم أمر الاستقالة بعد، والامر له علاقة بتشكيل حكومة التوافق الوطني وليس بالضغوطات الاميركية والاسرائيلية». وثار الخلاف بين عباس وفياض حول استقالة وزير المال نبيل قسيس في الثاني من آذار (مارس) والتي قبلها فياض فيما رفضها عباس. وجاء في بيان للمجلس الثوري لحركة «فتح» الجمعة الماضي «ان سياسات الحكومة الفلسطينية الحالية مرتجلة ومرتبكة في الكثير من القضايا المالية والاقتصادية». واعتبر عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» توفيق الطيراوي الخميس ان «حكومة فياض عليها ان تقدم استقالتها من اجل افساح الطريق للبدء بالمصالحة الفلسطينية وانهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس عباس»، لافتاً الى ان «الشعب الفلسطيني ليس بعاقر وفياض ليس بآخر شخصية فلسطينية يمكن ان تستلم منصب رئاسة الوزراء». على صعيد آخر، احتجت منظمة التحرير الفلسطينية لدى كندا على اجتماع وزير خارجيتها مع وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني في القدسالشرقيةالمحتلة، واعتبرت الاجتماع انتهاكاً للقانون الدولي، لأنه يجري على أرض فلسطينية محتلة. وقال الدكتور صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومسؤول ملف المفاوضات، في رسالة وجهها الى وزير الخارجية الكندي: «إن اجتماعكم الأخير مع مسؤولين إسرائيليين في القدسالشرقية هو محاولة لتشريع الحالة غير القانونية الموجودة على أرض الواقع، ويمكن اعتباره مساعدة ومعاونة لسياسات إسرائيل غير القانونية». وأضاف: «أفعال كندا هي مساوية للاشتراك في انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي للحرب». واعتبر عريقات السلوك الكندي انتهاكاً ليس فقط بحق دولة فلسطين أو الشعب الفلسطيني، بل بحق المجتمع الدولي كاملاً. وتدعم كندا اسرائيل بشكل قوي، وخصوصاً في الملف النووي الإيراني، وهي من الدول القليلة التي صوتت ضد انضمام فلسطين إلى الجمعية العامة بصفة عضو مراقب في تشرين ثاني (نوفمبر) 2012، لكنها أيضاً من الدول المانحة للسلطة الفلسطينية.