أكد اجتماع عقده الرئيس المصري محمد مرسي مع المجلس العسكري الذي يضم قيادات الجيش مساء أول من أمس، تكهنات بتوتر في العلاقة بين الحكم والمؤسسة العسكرية، وزاد من الالتباس في شأن طبيعة العلاقة وتطورها، بسبب التوتر والتجهم الذي بدا واضحاً على وجهي الرئيس ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسي أمام كاميرا التلفزيون الرسمي بعد اللقاء، على رغم عبارات المجاملة التي تبادلاها. وبدا واضحاً أن الاجتماع وضع محددات جديدة للعلاقة بين الجانبين بعد نحو ثمانية أشهر من ابتعاد الجيش عن المشهد السياسي. وطغت عليه خصوصاً الاتهامات التي تضمنها تقرير رسمي قدم إلى الرئاسة ونشرت صحف مقاطع منه توصي بالتحقيق مع قيادة الجيش في شأن وقائع تعذيب واعتقال وإخفاء قسري بحق متظاهرين إبان «ثورة 25 يناير»، كما تطرق إلى وضع سيناء ومنطقة حلايب وشلاتين الحدودية المتنازع عليها بين مصر والسودان، خصوصاً بعد تقارير عن تعهد مرسي تسوية الملف خلال زيارة إلى الخرطوم. وكان الرئيس المصري اجتمع مساء أول من أمس بقيادات المجلس العسكري في مقر وزارة الدفاع قبل أن يتم توزيع فيديو مصور فجر أمس، ظهر في بدايته مرسي يترأس الاجتماع، قبل أن يخرج ومعه أعضاء المجلس في إيجاز صحافي أمام مقر الوزارة. وبدا لافتاً أن وزير الدفاع هو من افتتح الحديث وكان مرسي إلى جواره يقف في وضع الثبات، فيما اصطف قادة المجلس العسكري إلى جوارهما وخلفهما، قبل أن يتلقف مرسي أطراف الحديث، مؤكداً أنه «لا يمكن أن أسمح بأي نوع من الإساءة أو التعريض أو أي وسيلة للتعدي على أي فرد بالقوات المسلحة، وهذا موجه إلى المجتمع كله، فأي إساءة للقوات المسلحة هي إساءة إلينا جميعاً». وأضاف: «لا أسمح أبداً ولا أقبل ولا يمكن أن يرضى مصري واحد بأي نوع من الإساءة إلى الجيش المصري، فهذا الشعب يقدر جداً، ويعي دور قواته المسلحة، وأنا أعلن ذلك للعالم كله، إذ إن الجيش يحمي أمن وسلامة الوطن من أي عدوان عليه وعلى أمنه الداخلي». وأوضح مرسي أن الاجتماع ناقش «آليات أمن الوطن، وحماية حدوده الشمالية والشرقية الغربية والجنوبية»، مشدداً على أنه «لا مجال للحديث عن أي نوع من التفريط في حبة رمل واحدة لهذا الوطن، إذ أن الحامي الأول والحقيقي لهذه الحدود هو القوات المسلحة». وأعلن مرسي أن الجيش ستكون له الكلمة العليا في مشاريع تنوي الحكومة تنفيذها على محور قناة السويس، بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الدخول في مزايدات ستطرحها القاهرة خلال أسابيع لمشاريع في المنطقة. وقال مرسي: «تطرقنا إلى تنمية محور قناة السويس، مع حفظ المساحات الضرورية لأعمال الدفاع والتعبئة في هذا المحور، طبقاً لما يقرر من قيادات القوات المسلحة». وبدا لافتاً تأكيد مرسي أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة في مسعى منه على ما يبدو إلى إظهار بسط نفوذه على الجيش، كما سعى إلى نفي ما يتردد عن سعي جماعته «الإخوان المسلمين» إلى السيطرة على المؤسسة العسكرية. وقال: «بكل ثقة أعلن للجميع أن القوات المسلحة جسد واحد، وجزء من الجسد المصري لا ينفصم عنه، ولا تلتفتوا إلى الشائعات أبداً. نحن نرد عليها، ولن نقبل بأي نوع من الإهانة أو النيل منكم، ونتمنى دائماً أن تكون القوات المسلحة هي الدرع الواقي، وتكون قادرة على حماية الوطن، ومع قياداتها التي تؤدي دورها بكل كفاءة واقتدار». وأعلن ترقية قادة الأفرع الرئيسة للقوات المسلحة إلى رتبة الفريق «تقديراً لجهودهم»، وهم قائد قوات الدفاع الجوي عبدالمنعم إبراهيم بيومي وقائد القوات الجوية يونس السيد حامد المصري وقائد القوات البحرية أسامة أحمد الجندي. وكان السيسي قال إن الرئيس «في إطار التواصل الدائم بينه وبين الأعضاء، استمع بإنصات إلى كل المواضيع التي تهم القوات المسلحة وتفهم تماماً مسألة الإساءة التي تواجه القوات المسلحة خلال المرحلة الماضية، وأعرب عن رفضه للإساءة التي توجه إلى القوات المسلحة، وأكد الدعم الكامل والثقة الكاملة لأعضاء المجلس». وشدد السيسي على أن «القوات المسلحة خلال العامين الماضيين كانت حريصة جداً على مصر وشعبها، ولم تقم بأي إساءة، وسلمت السلطة، وبدأت تقوم بأعمال رفع الكفاءة القتالية للقوات والمعدات، التي تتم بمعدلات غير مسبوقة في الوقت الراهن». وأشار إلى أن «القوات المسلحة مؤسسة وطنية جداً وشريفة وحريصة جداً على بلدها، وتتأثر جداً بأي إساءة توجه إليها... أقسم بالله أن القوات المسلحة من أول يوم 25 كانون الثاني (يناير) 2011 حتى الآن لم تقتل، ولم تأمر بقتل ولم تخن أو تأمر بخيانة، ولم تغدر أو تأمر بغدر، وعلى كل من يسمعني عبر وسائل الإعلام أن ينتبه قبل أن يغدر بجيشه، فالضباط والصف والجنود يتأثرون جداً من تلك الإساءة». واعتبر الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» عمرو الشوبكي أن «مشهد الاجتماع أظهر أن المؤسسات الكبرى في مصر تتعامل بحساسية تجاه أي اتهامات، لا سيما القضاء والمؤسسة العسكرية»، موضحاً أنه «في حين لا يمتلك القضاء أدوات قوة، تشعر المؤسسة العسكرية بأن لديها أدوات القوة على الأرض، وأنها في النهاية أكبر جيش في المنطقة، وعلى رغم الأخطاء التي وقعت فيها على مدار العامين لكن يحسب لها الحفاظ على تماسكها المهني». وقال ل «الحياة» إن «الاجتماع وضع محددات جديدة لطبيعة العلاقة بين الحكم والمؤسسة العسكرية، فالجيش ستكون له الكلمة العليا في شأن الأمن القومي وتأمين الحدود، فيما يبتعد تماماً العسكريون عن العمل السياسي والصخب الحاصل في المشهد السياسي، مع عدم السماح بالتعرض لقادة الجيش الحاليين والسابقين». ولفت إلى أن «الطرفين من مصلحتهما طي صفحة الماضي لا سيما أن الاتهامات المرسلة متبادلة، فقادة الجيش السابقون متهمون بالتورط في قتل المتظاهرين، كما أن جماعة الإخوان متهمة بالتورط في فتح السجون». وعما إن كان الجيش وجه رسالة تحذير إلى مرسي للجم تصريحات أنصاره ضد القيادة العسكرية في الفترة الأخيرة، قال الشوبكي: «مرسي لا يستطيع لجم جماعته، وهو بين شقي رحا: صقور الجماعة والمؤسسة العسكرية، وهو الطرف الأضعف وسعى إلى تهدئة خواطر الجنرالات، وستستمر محاولات المراوغة من قبل الإخوان بأن يخرج بعضهم لتهدئة المشهد وآخرون لترويج الاتهامات». وقال الخبير العسكري اللواء السابق طلعت مسلم ل «الحياة» إن الاجتماع «جرى نتيجة إحساس لدى القوات المسلحة بعدم الارتياح في أعقاب ما صدر من تقارير صحافية تتهم قادتها السابقين» بارتكاب انتهاكات خلال الثورة. وأضاف أن «الرئيس سعى إلى تدارك هذا، خصوصاً أن التقارير التي اعتمدت عليها الصحف استندت إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق التي كان شكلها مرسي عقب توليه السلطة، فيما سعى الجيش أيضاً إلى طمأنة المصريين إلى أن الحدود مؤمنة وأنه لن يتخلى عن دوره».