كشفت حادثة «كنوز هرقل» كما اصطلح الأردنيون على تسميتها، مدى طبيعة الحال التي يعيشها كثير من الشباب الأردني العاطل من العمل او اولئك الذين يعانون الفقر وغلاء الأسعار والمتشوقون للثراء السهل في مواجهة تكاليف الحياة الاقتصادية الصعبة. حادثة «كنوز هرقل» التي ظهرت قبل شهر في محافظة عجلون شمال الأردن، اصبحت قضية رأي عام في المملكة بعد ان اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي والدواوين العشائرية بأحاديث تطالب بتوزيع ثروة هذه الكنوز، والتي قدروها بعشرات بلايين الدولارات على الشعب او استثمارها في تنمية المحافظات، وخصوصاً عجلون موطنها وعدم إخفائها لمصلحة متنفذين، كما درجت العادة في سنوات خلت. وكان سكان في عجلون قد تحدثوا لمواقع اخبارية، وكتبوا على مواقع التواصل الاجتماعي، عن قيام جهات مجهولة بحماية امنية بإغلاق طرق تؤدي الى خربة «هرقلة» نسبة الى هرقل ملك الروم في العصور الوسطى. وأشاروا الى انهم شاهدوا بأم أعينهم آليات تقوم بالحفر في المنطقة وأخرى تقوم بانتشال صناديق من الكنوز المدفونة وتحميلها في شاحنات جرارة لمدة ليلة كاملة، امتدت من الساعة الخامسة مساء يوم الخميس وحتى الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي ونقلها الى جهات غير معلومة، ما اثار ردود فعل سلبية من قبل السكان وخصوصاً سكان المحافظة. وما زاد في شكوك السكان تصريحات متضاربة ومتناقضة صدرت عن شخصيات رسمية وحكومية حول الواقعة في محاولة لإخماد الجدل الشعبي الذي يتصاعد يوماً بعد يوم ككرة الثلج، ويطالب الحكومة بكشف حقيقة ما جرى بشفافية تامة. وأول هذه التصريحات كانت لنائب محافظ عجلون عندما قال ان الحفريات هي مجرد اشغال عامة استهدفت اعادة تأهيل الطريق وتحسين شبكات المياه والصرف الصحي، فيما اكد وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني ان الحفريات كانت بسبب انهيارات جبلية وقعت في المنطقة، في حين خرج بعد ذلك وزير الداخلية اللواء حسين المجالي بتصريح حول الحادثة نفى فيه العثور على اي كنوز، مؤكداً ان كل ما جرى لا يتخطى قيام القوات المسلحة الأردنية بتركيب رادرات عسكرية. هذه التصريحات المتناقضة لم تقنع الشارع بل زادت من يقينه بأنه تم استخراج كنوز هرقل، وأن الجهات الرسمية مرتبكة ولا تقول الحقيقة، ولم تكن تعتقد ان الأمر سينكشف بهذة السرعة. واشتعل الجدل من جديد على مواقع التواصل الاجتماعي لدرجة السخرية والتهكم على المسؤولين الرسميين، فيما كانت رسوم الكاريكاتور الأكثر انتشاراً وتعبيراً على هذه المواقع، بخاصة على مجموعات «الواتس آب» التي شهدت نكاتاً ايضاً حول بخل رئيس الوزراء الذي اتهم بعدم رغبته في زيادة الرواتب او تخفيض اسعار المحروقات وغيرها. وبينما كانت مواقع التواصل الاجتماعي تشتعل بالتكهنات والاتهامات والنكات، كانت مراكز صنع القرار السياسي في المملكة تحضّر لذكر السبب الحقيقي لهذة الحفريات، على رغم خطورتها وسريتها كما تقول. واضطرت الجهات الرسمية، بعد محاولة شباب من عجلون اعادة نبش المكان الذي جرى فيه الحفر، واصطدموا بقطع اسمنتيه خرسانية حالت دون قدرتهم على الاستمرار لحين احضار آليات ثقيلة، لترتيب مؤتمر صحافي بحضور رئيس الوزراء وقائد الجيش ووزير الإعلام. وفي المؤتمر اضطر رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور الى القول انه وحكومته كانا مغيبين عن الحدث لتبرير ما سيفجره قائد الجيش المشير مشعل زبن من مفاجأة في المؤتمر، اذ كشف ان ما حدث كان حفريات لإزالة اجهزة تنصت إسرائيلية تحميها متفجّرات زرعت حولها، مشيراً الى ان القوات المسلحة الأردنية اجبرت القوات الإسرائيلية على ارسال فريق خبراء اسرائيلي مع معداتهم وآلياتهم لإزالة هذة الأجهزة. وأضاف زبن ان القوات المسلحة الأردنية لم تكن ترغب في الإعلان عن هذة العملية التي تعتبرها سرية ولا يجوز اطلاع اي احد عليها، مشيراً الى ان هناك خمسة مواقع مشابهة ويجري العمل على ازالتها. وأوضح قائد الجيش ان حادثة انفجار صغيرة حدثت عام 2011 في بلدة الخالدية في محافظة المفرق، ارشدت الى ما تمّ كشفه من هذه المواقع التي استهدفت التنصت على فرق القوات المسلحة الأردنية منذ العام 1967. وإلى أن يكشف لغز «كنوز هرقل» المزعومة، يتأرجح الأردنيون بين حديث رسمي وآخر شعبي، ورغبات شبابية في إيجاد حل لمشكلاتهم وأولها الغلاء وانعدام فرص العمل.