يبدو أن الجولة الأخيرة من المحادثات التي أُجريت بين إيران ومجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى ألمانيا والمعروفة باسم مجموعة (1+5)، في ألما آتا عاصمة كازاخستان، في الخامس من نيسان (أبريل) والسادس منه، هي الأكثر صراحة والأكثر تفصيلاً حتى الآن. وللمرة الأولى، تضمنت المحادثات تبادلاً مباشراً بين الولاياتالمتحدةوإيران لمدة تتراوح بين 30 و40 دقيقة، وشارك في النقاش مساعدة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ويندي شيرمان، والدكتور سعيد جليلي، كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. ويُذكر أن شيرمان قد طرحت على جليلي سلسلة من الأسئلة المحددة التي أجاب عنها الأخير بشكل مفصل. ومن ناحيتها، أقرت كاثرين أشتون، الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، التي ترأست وفد مجموعة 1+5 المؤلف من بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولاياتالمتحدة الأميركية، إضافة إلى ألمانيا، بأن الطرفين بقيا بعيدين كل البعد عن «جوهر» المحادثات. ولكن كلامها لم يكن سلبياً أو تهكمياً، فقد قالت: «لقد تناولنا مختلف المواضيع بشكل مفصل، أكثر من أي مرة سابقة، وسنستمر في بذل الجهود في هذا الاتجاه... كما لمستُ للمرة الأولى، حدوث تبادل حقيقي في الكلام، فتمكنا من مناقشة التفاصيل وطرح الأسئلة والحصول مباشرة على الإجابات». وأضافت: «سيعود المشاركون الآن إلى بلدانهم لتقويم المرحلة التي آلت إليها المناقشات». وتجدر الإشارة إلى أنها ستتواصل مع الدكتور جليلي، في غضون «أيام وليس أشهر»، لمناقشة إمكان تضييق فجوة الخلافات وسبل المضي قدماً. ومن جهتها، حرصت إيران على تعيين موعد لاجتماع جديد، ولكن نظراً إلى الاختلافات الكبيرة بين الطرفين، أعربت مجموعة 1+5 عن رغبتها في تفادي المحادثات غير المجدية. فمن غير المرجح إذاً أن تُجرى جولة أخرى من المحادثات قبل حلول موعد الانتخابات المهمة في إيران في 14 تموز (يوليو)، التي ستضع حداً لثماني سنوات تربع خلالها محمود أحمدي نجاد على عرش الرئاسة مثيراً جدلاً كبيراً. واللافت أنه عند الاستماع إلى كاثرين أشتون، يبدو لك أن الدلائل التي تشير إلى إمكان التوصل إلى اتفاق مع إيران، مشجعة على نحو معقول. ولكن هل هذه الصورة حقيقية؟ يتعلق الالتباس الكبير هنا بنيات أميركا. إذ إنه ليس من الواضح أبداً ما إذا كانت واشنطن تريد فعلاً التوصل إلى اتفاق مع إيران، أم إن هدفها السري يكمن في إسقاط الجمهورية الإسلامية. وهذا بالتأكيد هو ما يثير شكوك إيران العميقة وغير المفاجئة، نظراً إلى نزاعها الطويل مع الولاياتالمتحدة الذي يعود إلى تاريخ ولادة الجمهورية الإسلامية عام 1979. وكما يعتقد كثيرون في الولاياتالمتحدة الأميركية أن إيران تماطل في إجراء المحادثات لكسب الوقت من أجل تحقيق برنامجها النووي السري، يرى عدد كبير من الإيرانيين أيضاً، أن رغبة الولاياتالمتحدة في إجراء مفاوضات لا تنم عن حسن نية. إذ يظنون أن واشنطن تستخدم حجةَ برنامج إيران النووي بغية فرض عقوبات ذات آثار مدمرة على إيران، أكثر من أي وقت مضى، وذلك بهدف إسقاط النظام الإسلامي. والجدير ذكره أنه تغيب حتى الآن أي إشارة إلى اعتراف الولاياتالمتحدة بأن التوصل إلى اتفاق مع إيران قد يتطلب حتماً تسوية، من المحتمل جداً أن تقتضي السماح للجمهورية الإسلامية بتخصيب اليورانيوم لأهداف صناعية، تحت إشراف دولي حازم. ومن الواضح أن نيات كاثرين أشتون حسنة، فقد نجحت في تبديد بعض الشكوك التي كانت تساور إيران. وبينما يصف الكثير من الأميركيين إيران بأنها دولة عدائية، أظهرت أشتون كل المؤشرات التي تدل على رغبتها في إنجاح المحادثات. وبعد تخليها عن النزعة الأميركية لتصوير إيران كأنها العدو الشرير، بذلت أشتون قصارى جهدها لمصادقة سعيد جليلي، كبير المفاوضين في إيران، لتتمكن من فهم أسباب مخاوفه، وكسر حاجز لغة الإدانة والتهديد التي غالباً ما يستعين بها المسؤولون والمعلقون في الولاياتالمتحدة. غير أنه ليس من الواضح أبداً ما إذا كانت الحكومة الأميركية توافق على سلوكها الإيجابي. فثمة قوى ذات نفوذ كبير في الولاياتالمتحدة، لا ترغب في التوصل إلى اتفاق مع إيران حول مطامحها النووية. ويُعزى ذلك إلى أن إسرائيل، التي تمارس تأثيراً مهماً على سياسية أميركا في الشرق الأوسط، تريد وقف الصناعة النووية الإيرانية كلياً، كما أنها لا تخفي استعدادها لاستخدام القوة بغية تحقيق هذا الهدف. ويتعارض هذا الأمر مع أي تسوية قد تسمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم. ومن جهته، سارع وزير المال الإسرائيلي يوفال شتاينتز، إلى رفض المحادثات التي أجريت في ألما آتا واصفاً إياها بأنها مضيعة للوقت وعمل فاشل. وقال في هذا الصدد: «كان هذا الفشل متوقعاً، فقد حذرت إسرائيل من استفادة الإيرانيين من هذه المحادثات لكسب مزيد من الوقت فيما يحققون تقدماً إضافياً في مجال تخصيب اليورانيوم لصنع قنبلة ذرية. لقد حان الوقت لكي يتخذ العالم موقفاً أكثر حزماً، ويوضح للإيرانيين أن ألاعيب المحادثات قد انتهت». وقد حض شتاينتز ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، الولاياتالمتحدة الأميركية على رسم خط أحمر لإيران، مشددين على ضرورة تخليها تماماً عن برنامجها النووي لأغراض سلمية. وقال شتاينتز ذو الطبع الانفعالي، إنه ينبغي أن تتوقف الصناعة النووية «في غضون أسابيع قليلة، أو شهر كحد أقصى». وقد حذر من شن هجوم فوري على إيران ما لم تنفذ ذلك! أما الرئيس باراك أوباما فاستخدم لهجةً أهدأ، قائلاً إن إيران قد تحتاج إلى سنة على الأقل، وربما أكثر، لصنع سلاح نووي. غير أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يمكنه أن يحيد عن جدول أعمال إسرائيل العاجل. وفي ظل هذه الظروف، تتميز المحادثات التي تجرى في الكواليس بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل بأهمية لا تقل شأناً، لا بل تتخطى أهمية المفاوضات التي تحصل بين إيران ومجموعة 1+5. ولطالما شددت إيران على ضرورة صدور اعتراف دولي ب «حقها» في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية على أراضيها. وكان هذا موقفها المبدئي منذ البداية. وفي هذا الإزاء، صرح سعيد جليلي: «إننا نطالب بحقنا في تخصيب اليورانيوم، إن كان بنسبة 5 في المئة أو 20 في المئة، فمن المعروف أن اليورانيوم المخصب يُستخدم بنسبة 20 في المئة لأغراض طبية. ويستخدم مليون مريض إيراني هذه النظائر... أما اليوم، فتتم الاستعانة بالوقود لأغراض إنسانية وطبية، أي لأغراض سلمية بحتة». وأوضح أن اقتراحات إيران تنطوي على الاعتراف «بحقنا في تخصيب اليورانيوم ووضع حد للتصرفات التي تظهر عداوة ضد الشعب الإيراني... ونظراً إلى اقتراحاتنا الجديدة، يبقى الآن على مجموعة 1+5 أن تبدي استعدادها وحسن نيتها لاتخاذ القرارات المناسبة في المستقبل، والتي تساعد على بناء الثقة المتبادلة». إلا أن الوفد الإيراني أظهر في ألما آتا بعض المرونة عند تحدثه عن احتمال أن تكون إيران مستعدة لوقف إنتاجها لبعض اليورانيوم المخصب، وذلك ضمن إجراء يساعد في بناء الثقة المتبادلة، إذا رفع الغرب في المقابل العقوبات الاقتصادية التي فرضها على إيران. ولكن يبدو أنه من غير المرجح أن توافق هذه الأخيرة على إغلاق منشأة تخصيب اليورانيوم في فوردو، المبنية في أسفل جبل، إذا ما تم الاعتراف بحقها القانوني بالتمتع بالطاقة النووية بموجب «معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية». وفي النهاية، هل يدل هذا على أن المحادثات بين إيران ومجموعة 1+5 وصلت إلى طريق مسدود وخطير؟ لا بد هنا من الإعراب عن الأمل في أن يفسح انتهاء ولاية الرئيس المشاكس أحمدي نجاد في تموز (يوليو) المقبل، في المجال أمام إمكان التوصل إلى اتفاق دولي يُبعد أهوال الحرب عن المنطقة. * كاتب بريطاني مختص في شؤون الشرق الأوسط