باستثناء المحطات التي تموّلها الأحزاب في العراق، يدخل الإعلام المرئي الحملة الدعائية للانتخابات المحلية، في 20 نيسان (أبريل)، من دون أن يساعد الجمهور في معرفة برامج المرشحين. وتفرض إعلانات ممولة لقوى سياسية تتنافس على «مجالس المحافظات» على المحطة الالتزام بالمادة المرئية المدفوعة الثمن والتي صنعها المشرفون على الحملة. وهي في الغالب تُظهر المرشح مبتسماً مرتدياً زياً رسمياً، كما لو أنه إعلان أزياء. ويكتفي فيه المرشح بالقول: «اسمي المرشح (...)، ورقم التسلسل في القائمة الانتخابية هو (...) أتعهد بأن أكون وفياً لمن يدلي بصوته لي». الصورة المقترنة بالكاريزما، والجمل المقتضبة عن الاسم والرقم الانتخابي، تعكس إلى جانب إصرار القوى السياسية على إهمال البرامج، تأخر المحطات العراقية عن تلبية حاجة الجمهور. فيما تغيب في شكل كبير برامج المرشحين وصار من الصعب الحصول على دقيقة إعلان انتخابي تختصر ما في جعبة الحزب من أفكار. الدعاية الانتخابية هذا العام تضمنت لقطات فيديو لمرشحين بكامل أناقتهم إلى جانب شعار موحد اعتمده مرشحو كل قائمة انتخابية، فقائمة دولة القانون حملت شعار «عزمٌ وبناء» الذي استخدمه جميع المرشحين من حزب «الدعوة»، أما المرشحون مع قائمة دولة القانون من تيار الإصلاح فوضعوا شعار «أوصيكم بالعراق» على جميع صور المرشحين من تيار الإصلاح إلى جانب صورة رئيس التيار إبراهيم الجعفري. التيار الصدري وضع عبارة «للعراق» على صور مرشحيه، فيما اختارت قائمة المواطن التابعة لعمار الحكيم شعار «محافظتي أولاً» لتضعه على كل صور مرشحيها في المدن العراقية. والحال أن الدعاية المختلفة تشترك في قاسم «الكاريزما»، وتسهل ملاحظة الاهتمام المبالغ فيه بالمرشح الصورة أكثر من المرشح البرنامج، فالإعلانات التي تبث على الأثير تظهر المرشحين كأنهم نجوم شباك سينما. لكنّ التلفزيونات العراقية لم تغط النقص، ولم تواجه بجرأة القوى التي تصدت للمنافسة على مقاعد المجالس المحلية. يقول معدو برامج حوارية أنه من الصعب التعامل مع المرشحين، أو حتى التعاطي مع برامجهم ذلك أن الموسم الانتخابي يجعل المحطات تنفر من المرشحين ما لم يكن الأمر مقترناً بإعلان مدفوع الثمن. ولو حدث أن حاول برنامج تلفزيوني مساءلة المرشحين عن برامجهم فإن النتيجة ستكون مخيبة للآمال. الحصيلة الأولية لما يتحدث به المرشحون، وما وجده الجمهور العراقي على التلفزيونات، يكشفان اختلاط فهم بين الحملة الانتخابية للجولة التشريعية (البرلمان)، وبين الانتخابات بالمجالس المحلية، فالمرشحون يتحدثون عن قضايا ذات طابع «وطني» عام، ومشحون بمناخ الأزمة السياسية، بينما كان من المفترض أن تكون الانتخابات المحلية تتعاطى مع المحافظات ومشاكلها، وهي ليست أكثر من خدمات عامة وتوظيف. فالمرشح للبرلمان بمقدوره الحديث عن رؤيته عن طبيعة نظام الحكم، وأفكاره في شأن الدستور. ولكن، على المرشح للانتخابات المحلية أن يقنع الناخب بما يمكن فعله لقطاع الكهرباء والنظافة، والتوظيف للعاطلين. لكنّ السؤال عن سبب إهمال المحطات العراقية الجردة السياسية لبرامج المرشحين يعود إلى أن القنوات الممولة من الأحزاب هي الأكثر عدداً، قياساً إلى القنوات الخاصة. هذا التفوق العددي يقترن أيضاً بمواد إعلامية عن الانتخابات لا يمكن الخروج على القاعدة التي وضعها هذا الحزب أو ذاك. حتى القناة التي تموّلها الدولة، وهي «شبكة الإعلام العراقي»، ربما تكون الوحيدة التي تمتلك حرية التعامل مع البرامج الانتخابية من دون أن تخضع لحسابات «الإعلان»، فهي فضلت أن تنسجم مع موجة الدعاية الصورية، ولم تجتهد في مساعدة الجمهور على ما يمكن المرشحين فعله في مدنهم. عموماً الحملة الانتخابية على التلفزيونات العراقية صامتة، بلا مرشح ثرثار يملأ الأثير بحديث عن برامجه. الدقيقة الانتخابية في الفضاء العراقي مجرد صورة ورجل يبتسم بربطة عنق.