يعمل كامل يومين أسبوعياً فقط، على عكس غالبية الناس. يشتري كميات من الألبسة المستعملة ويعرضها في أحد الأسواق الشعبية شرق بيروت خلال عطلة نهاية الأسبوع. يُقسّم الألبسة وفق العمر والجنس ويوزع أفراد عائلته على البسطات. الأطفال لبيع ملابس الأطفال، يقفون بين الملابس وينادون على بضاعتهم، وكذلك تفعل الزوجة بين ملابس النساء، فيما يقف هو عند ملابس الرجال، ويشرف بعينيه على عملية البيع برمتها. يقول: «أشتري كميات من الألبسة بالكيلو، وأقسّمها وأعمل على إصلاح بعضها، ثم أعرضها في شكل منظّم يومي السبت والأحد من كل أسبوع، بمشاركة أولادي وزوجتي الذين يجدون متعة في مشاركتي العمل»، موضحاً أن غالبية زبائنه من الفقراء، لكن نسبة متوسطي الحال والأغنياء بينهم غير قليلة. بنى كامل صداقات كثيرة خلال عمله، «ولا أتردد في تفقد زبائني عبر الهاتف إذا تأخروا عن زيارتي. وكذلك هم يتصلون بي إذا كنت مريضاً أو متوقفاً عن العمل لسبب ما». موضة... وماركات يتسابق عدد كبير من اللبنانيين على شراء الألبسة المستعملة من تلك المتاجر عند فتح أبوابها، لاختيار أفضل المعروض. وتنتشر هذه الأسواق بكثرة في ضواحي بيروتالشرقية والغربية، وأشهرها: أسواق صبرا، والسوق الشعبي الكبير (سوق الأحد)، وحي السلم. وتجذب الناس إليها من كل حدب وصوب، علّهم يجدون ثياباً جميلة... وذات جودة. يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور حسين أبو رضا: «يعد العامل الاقتصادي من أهم الأسباب التي تدفع الناس إلى البحث عن أسواق الألبسة المستعملة، أو كما يطلق عليها «البالة». وثمة أسباب أخرى، منها: حب المظاهر، وهي ظاهرة معروفة في المجتمع اللبناني عموماً، بفقرائه وأغنيائه. الميسورون يستطيعون شراء الألبسة الجديدة من المتاجر التي تبيع الماركات العالمية ذات الأسعار الباهظة، فيما يلجأ قسم واسع من الفقراء إلى متاجر «البالة» ليشتري ثياباً شبه جديدة لماركات عالمية وبأسعار رمزية تلائم أوضاعهم الاقتصادية المتواضعة. لذلك، فإن هذه الأسواق رائجة في مجتمعنا اللبناني أكثر من بقية المجتمعات». لكن ذلك لا يمنع بعض الميسورين من اللجوء إلى هذه المتاجر، منهم حسن صادق، وهو موظف متقاعد. يقول: «بعض الألبسة الموجودة في هذه المتاجر غير مرتبطة ب «موضة» معينة، وتتناسب مع أذواق كثيرين على اختلاف مشاربهم». ويعترف بأن معظم ثيابه يشتريها من «البالة»، فيغسلها وينظفها ويكويها... فتعود جديدة، ويوفر بذلك الكثير من الأموال لمصلحة أشياء أخرى معيشية، كمصاريف المدرسة للأولاد أو لوازم البيت. ويضيف صادق: «نادراً ما أزور الأسواق الكبيرة (المولات). وحين أفعل، يكون ذلك خلال مواسم الحسومات فقط. وأدعو الجميع إلى زيارة «البالة»، فقد يجدون فيها ضالتهم من الألبسة والأحذية الرائعة!». رغبات... ودوافع اجتماعية يقول أبو رضا: «يلجأ كثيرون إلى متاجر «البالة» لإشباع رغبتهم في ارتداء الملابس الفاخرة التي لا يستطيعون شراءها من الأسواق الأخرى بسبب ارتفاع ثمنها. وذلك بهدف مجاراة الآخرين من الأصدقاء أو الأقارب. فقد تجد من يقضي فترة طويلة من وقته في البحث عن قطعة يفاخر بها أمام أصدقائه، فيما يقصد آخرون هذه المتاجر لشراء ألبسة لمناسبة خاصة في منتصف الأسبوع، وبعدما ينفد الراتب من الجيوب». تقول هلا ديب، إحدى روّاد تلك الأسواق، إن «أهم سبب يدفعني إلى زيارة متاجر «البالة» هو أنني لا أفكر في مقدار ما أحمله من مال عند ممارسة هوايتي بالتسوّق، فلا أخرج خالية الوفاض... وإن كان معي القليل من المال». لكن أماني ديب لها رأي آخر: «لا أستطيع أن أُلبس أولادي ثياباً لا أعرف مصدرها. فربما تكون محمّلة بالملوّثات أو الأمراض، فما أوفره هنا قد أدفعه ثمناً لأدوية هناك. لذلك أفضل زيارة الأسواق والمحال المعروفة لشراء الألبسة والأحذية ذات الماركات العالمية، وبذلك اشتري راحة البال أيضاً». في المقابل، يؤكد كامل، البائع، أن لديه الكثير من الزبائن الأغنياء الذي يأتون إليه في شكل شبه متخف. فيضع بعضهم النظارات الشمسية الداكنة أو القبعات لإخفاء شخصيتهم في حال لقائهم صدفة بأحد معارفهم أو أصدقائهم. ويرى أبو رضا، الأستاذ الجامعي، أن الخشية الوحيدة لغالبية روّاد أسواق الملابس المستعملة هي اكتشاف أحد أصدقائهم مصدر ثيابهم وأناقتهم. وإذا حصل ذلك، يظنون أنهم يفقدون مقداراً من مكانتهم الاجتماعية.