يطير العِلم أحياناً بسرعة البرق، على رغم أن خفق خطواته ربما لا يُسمع إلا في دوائر صغيرة، قبل أن يأتي زمن تحوّله ثورة تصمّ الآذان وتقلب الحياة اليومية للناس. لم يكن أنبوب الكاثود سوى عمل جانبيّ للعالِم آلبرت إنشتاين، إلى حدّ أن بعضهم اعتبر منح إينشتاين جائزة نوبل لهذا «الأنبوب» لم يكن سوى ترضيّة نجمت من عدم قدرة لجنة نوبل على إعطائه الجائزة لنظريته عن النسبيّة. وإن هي إلا لحظة أو تكاد، حتى تحوّل أنبوب الكاثود (يُسمّى أيضاً «مهبط الكاثود») الذي يحوّل الموجات الكهرومغناطيسية أشعة ضوئية متحكّم بها، إلى سلسلة اختراعات، أبرزها التلفزيون الذي بدّل حياة الناس، بل قلب بعضاً من مناحيها رأساً على عقب. مفاعل في... المطبخ! في نفسٍ مُشابه، ربما تُحدِث علوم النانوتكنولوجيا ثورةً في علوم الذرّة ومفاعلاتها، تجعل المفاوضات بين طهران ومجموعة الدول الست، شيئاً باهتاً وآتياً من زمن...بعيد! ومنذ بعض الوقت، يسعى اختصاصيو علوم الذرّة والنانو، لصنع مفاعل صغير لدرجة أنه من المستطاع وضعه في المطبخ. الهدف؟ الحصول على مصدر مديد ونظيف للطاقة، على رغم أن السؤال عن مدى أمان هذا الابتكار، ربما يدفع برودة الذعر إلى اليدين. وتتزامن هذه الجهود النانوية مع تغيّر النظرة عالمياً إلى الطاقة الذرّية، إذ دفع التغيّر في المناخ المترافق مع الإحتباس الحراري، إلى التفكير بالذرّة كمصدر لطاقة هائلة لا تنفث غازات تلوّث تتسبّب في إرتفاع حرارة الكرة الأرضية. وساعدت أمور مثل الإرتفاع المطرد في أسعار النفط والتقارير المتوجسّة من قرب نفاده، في التفكير إيجابياً بالطاقة الذرّية. ووصلت شركة «هايبرآيون باور جنِرايشن» الأميركية بهذا المنحى إلى حدّ يلامس الخيال العلمي، إذ تسعى لصنع مفاعلات ذرّية صغيرة يبلغ طولها 2.5 متر وارتفاعها 1.5 متر! ويُطلق عليها اسم بطاريات ذرّية Atomic Batteries.فكّر في مفاعل مثل «بوشهر»، وقد تحوّل إلى هذا الحجم الصغير. وعلى رغم أن حجمها لا يزيد عن الثلاجة المنزلية، فإنها تستطيع توليد 25 ميغاواط من الكهرباء، ما يوازي 1/40 من طاقة مفاعل ذري ضخم. ويعني ذلك أن بطاريات «هايبرآيون» الذرية تقدر على إعطاء طاقة كهرباء تكفي مدينة من عشرين ألف منزل، وكذلك الحال بالنسبة الى القواعد العسكرية، ومحطات تحلية مياه البحر، ومنشآت التنقيب في المناجم، والسفن التجارية وحتى طائرات نقل الركاب. وفي مقر الشركة في دنفر، لا يتردد جون ديل، مدير «هايبرآيون»، في الإشارة إلى أن البطاريات الذريّة تستطيع أن تقلب مشهد الطاقة عالمياً. سؤال عن الإرهاب لا تقتصر الحماسة لفكرة «نانو مفاعل» على حفنة من العلماء المسكونين بفكرة تصغير الأشياء كلها، إذ أعرب غير مسؤول أميركي عن إعتقاده بضرورة تمويل مشاريع في الطاقة البديلة، يُطلق عليها اسم «المفاعلات النموذجية الصغيرة»، داعين للنظر إليها كخيار ذري جديد. وتعمل مجموعة من الشركات العالمية على صنع هذا النوع من المفاعلات، مثل «هايبرآيون» و «نيوسكيل باور» و «توشيبا» و «وستنغهاوس» و«بابكوك أند ويلكوكس» وغيرها. في المقابل، لا يخفي كثيرون من العلماء، مثل اختصاصيي الذرّة في «الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم»، خشيتهم من أن تكون هذه البطاريات مدخلاً لنشر الطاقة الذرية عالمياً، مع ما تحمله من مخاطر كبرى تشمل انفجاراتها عرضياً، وإمكان استخدامها من قبل مجموعات إرهابية، وحدوث زيادة ضخمة في كمية النفايات النووية الناجمة عن صنع هذه البطاريات واستخدامها وغيرها. عند مطلع العصر الذري، لم تمنع مأساة القصف الذرّي لهيروشيميا وناغازاكي في اليابان، بعض المتحمسين من تخيّل مستقبل تعيش فيه الكرة الأرضية على الطاقة الذرية، بمعنى استخدام طاقة الذرّة في كل مناحي الحياة، مثل الصناعة والزراعة والمواصلات وإمدادات الكهرباء وغيرها. هل تنفض البطاريات الذرية الغبار عن هذه الأحلام وتُجدّدها، فتعثر على حلّ غير متوقّع لأزمة الذرّة عالميّاً، أم تكون «البطاريات الذريّة» مصدراً لإرهاب أشد مما فعلته طائرات هجمات 11/9/2001؟