أثنت المانيا على جهود قبرص في معالجتها أزمتها المالية، على رغم العاصفة التي أثارتها ولا تزال الأزمة المالية القبرصية، والتي لم ترقَ، على خطورتها الشديدة، إلى أزمة اليونان التي لا تزال تشكل منزلقاً ممكناً لتساقط دول منطقة اليورو مثل أحجار الدومينو. وإذا كان موقف الرأي العام الألماني والساسة الألمان المتشدد إزاء طريقة حلّ أزمة قبرص لم يتغيّر في جوهره عن الموقف من الأزمات المالية التي أصابت اليونان وإرلندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، إلا أن اللهجة التي تستخدمها مع نيقوسيا لا تقاس أبداً باللهجة والأسلوب الذين مورسا مع أثينا، بخاصة في وسائل الإعلام وأحاديث الناس. ويعود السبب إلى وجود فروقات عدة علماً أن الأزمة القبرصية في جانب منها لصيقة بالأزمة المصرفية اليونانية لناحية شراء المصارف القبرصية كمية كبيرة من السندات اليونانية الفاسدة. وهذا ما دفع رئيس المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي، بحسب معلومات مؤكدة، إلى نهر وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله حين قلّل، في أحد اجتماعات مجلس قيادة المصرف مع وزراء مال دول منطقة اليورو، من أثر إفلاس قبرص على العملة الأوروبية الموحدة، وأيد فكرة خروجها من منطقة اليورو. وأفهمه دراغي في لهجة لا تدع مجالاً للشك، مدعوماً من رؤساء مصارف مركزية أوروبية، بأن إفلاس قبرص سيؤدي حتماً إلى إفلاس اليونان لتكر السبحة إلى بقية الدول المتعثرة والصامدة، ما يعني نهاية اليورو، والاتحاد الأوروبي في شكله الحالي أيضاً. وأهم الفروقات الكامنة بين نيقوسيا وأثينا، والتي عجّلت في إقرار اتفاق برنامج لإنقاذ قبرص، أن الرئيس القبرصي الجديد نيكوس أناستاسياديس وحكومته لم يعاندا كثيراً ما هو مطلوب منهما فعله، كما فعلت أثينا. كما أن البرلمان القبرصي أقر الاتفاق من دون أية مناقشة تذكر، او خروج مظاهرات لمحاصرته ومنعه من ذلك بالعنف كما حصل في اليونان. وقد شكر الرئيس القبرصي الشعب مباشرة على هدوئه ودعمه موقف الحكومة. ومعروف أن حدة الكلام بين الألمان واليونانيين وصلت إلى حد اتهام الأخيرين بالكسل والعمل على تحقيق ربح سهل، ونصحهم كذلك ببيع جزرهم لتسديد ديونهم، فيما نبش اليونانيون الماضي النازي للألمان وما ارتكبوه من مجازر في اليونان. وانعكست جدية القبارصة في التعاطي مع أزمتهم، إيجاباً على موقف الحكومة الألمانية والرأي العام الألماني من قبرص. وكان أناستاسياديس، وهو سياسي محافظ، زار قبل ذلك برلين واجتمع مع المستشارة المحافظة أنغيلا مركل للتفاهم معها على الخطوات التي يتوجب اتخاذها لإخراج بلده من أزمتها قبل الحصول على المساعدة من صندوق الإنقاذ الأوروبي «إي إس إم» وصندوق النقد الدولي. وهذا سبب آخر للتخفيف من حدة التصريحات الألمانية العلنية وإعطاء الرجل فرصة لتنفيذ ما وعد به، وهو ما حصل فعلاً. وفي انتظار إقرار صندوق الإنقاذ الأوروبي وصندوق النقد وبرلمانات دول اليورو، الاتفاق مع نيقوسيا، تقف قبرص أمام مشكلة مصرفية أخرى لا علاقة مباشرة لها بأزمتها المالية البنيوية. وتتمثل هذه الأزمة في تحول الجزيرة ملاذاً آمناً لعمليات غسل الأموال الروسية والبريطانية والتهرب الضريبي، ما لا يمكن لألمانيا والدول الأوروبية الأخرى السكوت عنه، بخاصة أن برلين كانت وراء الكشف عنها، إضافة إلى ان مثال سويسرا في هذا المجال لا يزال ماثلاً أمام الأعين. وتبعاً لما ذكره شويبله أخيراً فان القطاع المصرفي القبرصي المتضخم هو المسؤول أساساً عن الأزمة بعد أن بلغت الودائع فيه ثمانية أضعاف الناتج القومي السنوي للجزيرة. ولفت المسؤول الألماني نظر الحكومة القبرصية إلى ضرورة الإجابة «عن التساؤلات التى تكتنف قضية غسل الأموال والعمل على حلها، في وقت يتوجب على قبرص تحسين قاعدة إيراداتها». وبحسب الاتفاق المقر سيكون على قبرص تصغير حجم قطاعها المصرفي إلى النصف وتحميل كبار المودعين فيها جزءاً غير قليل من خسائر القطاع، من خلال فرض ضريبة ضخمة على كل وديعة تتجاوز المئة ألف يورو، لا فرق إن كان المودعون قبارصة أو أجانب، ما يفسر أخيراً هروب عدد كبير من المودعين الروس والقبارصة من البلاد. وسيجري العمل على خفض معاشات الموظفين والعاملين بنسب تصل الى 12,5 في المئة، ومعاشات المتقاعدين بنسبة 3 في المئة، وفرض ضريبة على العمليات العقارية وأخرى على الشركات بمقدار 11 في المئة وسطياً. كما سترتفع أسعار السجائر والمشروبات، والضريبة على القيمة المضافة من 17 إلى18 في المئة هذه السنة ومن ثم إلى 19 في المئة العام المقبل.