اختلاف التنظيم وتراوح التكتيك وتباين المنهج الفكري بين الإذعان والسمع والطاعة من جهة، وبين الابتكار والتجديد و «الروشنة» -إن صح التعبير- من جهة أخرى، جعل المصريين يأوون إلى فراشهم أمس وكأنهم خرجوا لتوهم من فيلم جمع بين «الأكشن» والرعب، اللذين تأججا بال «ساسبنس» (التشويق) اللذيذ. تعلّمت «6 أبريل» الدرس جيداً! خط سير المسيرات سرّي، والفعاليات المعلنة مجرد خطوط عريضة، أما التفصيلية فيعرفها الأعضاء فقط! وكان على بقية المصريين التصرف حسبما يتراءى لهم في هذا اليوم مع مراعاة الفروق السياسية والأيديولوجية التي باتت تفرّق بين من هو إسلامي ومن هو مسلم ومن هو مصري بغض النظر عن عقيدته! العقيدة الثورية الشبابية تتحكم في شباب «6 أبريل»، وذلك على رغم التفسخات التي ضربت حركتهم وقسمتها إلى جبهات وأجنحة عقب الثورة! لكن يظل الشباب شباب القلب والروح والعزيمة التي لا تفلّها جماعة أو يكسرها سمع أو تفككها طاعة! «عاوز تعيش عبد؟ حقك! لكن ما تلومشي إللي عاوز يعيش حر وعنده كرامة، 6 أبريل يوم الغضب»! تغريدة «أبريلية» دعت الشباب المناهض بطبيعته للعبودية إلى الغضب يوم أمس، تاركين ساحة السياسة، سواء بالحكم والمعارضة للكهول والشيوخ! لكن شيوخاً قليلين يحظون باستثناء في تلك الأوساط الشبابية، ومنهم «البوب» أو الدكتور محمد البرادعي الذي وجّه ل «6 أبريل» تهنئة تغريدية يقول نصها: «إلى من راهنت عليهم وما زلت، شباب مصر: اثبت مكانك! معاً سنغيّر. كل عام وأنتم بخير»! خير مصر واستقرارها اللذان باتا على المحك جعلا من الأشهر القليلة الماضية من حكم الجماعة وشرذمة المعارضة وغياب الرؤية وتدهور الأوضاع، دافعاً لكثيرين من المصريين لإعادة ترتيب أفكارهم ونبذ ما سبق من عداءات، بدءاً بمعارضة انخراط الجيش في السياسة ب «يسقط يسقط حكم العسكر»، مروراً بشيطنة «6 أبريل» بصب اللعنات على «6 إبليس»، وانتهاء بتأييد الجماعة لأنها «ناس بتوع ربنا»! المارة الذين كانوا بالأمس القريب يصبون جام غضبهم على كل من تظاهر أمام مؤسسة أو اعتصم في مواجهة مبنى، توقفوا لدقائق لمشاركة «الإبريليين» هتافاتهم أمام مبنى البورصة في وسط القاهرة. صحيح أنهم لم يستكملوا معهم مسيراتهم الاحتجاجية الغاضبة، إلا أن المشاركة بالهتاف وصب اللعنات على الإخوان تعد تغييراً مهماً في نبض الشارع المرتجف. وقد زادت حدة ارتجاف المصريين يوم أمس، ليس خوفاً من هراوات الأمن المركزي التي احتشدت قواتها أمام دار القضاء العالي تحسباً لحركات «6 أبريل» الفجائية، ولا من خناقة النائب العام، أو مطرقة باسم يوسف، ولكن من تصريح الرئيس محمد مرسي بأنه قد يدعوهم إلى «ثورة ثانية» إن لزم الأمر! استحضر البعض السيناريو الإيراني وإعدام معارضي شاه إيران، وتذكّر آخرون سيناريو السادات وما سمي ب «ثورة التصحيح» للقضاء على بقايا مراكز قوى عبدالناصر، وتذكر آخرون سيناريو ليبيا وصيحة القذافي الشهيرة «ثورة ثورة». ورغم اختلاف الإسقاطات وتراوح التفسيرات، إلا أن المحصلة النهائية لاحتمال دعوة الرئيس إلى ثورة ثانية كانت عجباً مشوباً بدهشة لا تخلو من خوف! خوف المصريين يتصاعد، وثورية الشباب تتزايد، وخنق الإعلام يتفاقم، وسيطرة المعلومات غير المؤكدة تتأكد، والجماعة تسير قدماً في طريقها غير عابئة بما يجول في قلوب كثيرين من المصريين وعقولهم، ومحبوها يبررون القرارات والأفعال بغض النظر عن منطقيتها، ومخزون القمح يتناقص، وأزمة السولار تتعاظم، وآمال الكنبة بالجيش تتعالى، والجميع يدور في دوائر مفرغة خوفاً من عودة الثورة إلى نقطة الصفر أو ما دونها! مشهد الأمس لخّص الشد والجذب بين الشباب والكهول، وعكس الحلو والمر بين الحالمين بالجيش والمعارضين لانخراطه في السياسة، وركز الضوء على لعبة «سيب وأنا أسيب» بين الحكم والمعارضة، وكشف جزءاً من ستار الإلهاء والتغييب في فتنة طائفية هنا وبرنامج ساخر هناك، وألمح إلى حديث تختلط فيه الإشاعة العنكبوتية بالنفي الرسمي المسبق حول إعادة ترسيم حدود سيناء تارة واعتبار حلايب مصرية أو سودانية سواء تارة أخرى، لكنه ترك ملايين من المصريين حائرين خائفين يرمون أنفسهم في حضن «6 أبريل» حيناً، ويحلمون بدفء وأمان الجيش حيناً، ويتعلقون بجلباب جماعة وعدت بنقلهم إلى الجنة أحياناً، وينتظرون ما تخبئه الأقدار والجماعات واللوبيهات (جمع لوبي) والحكومات والمصالح والمخططات والأهواء لهم.