قد تكون جردة ربيعية استعداداً للصيف، وقد تكون محاولة تجميلية تحسباً لهجمة الشيخوخة المرتقبة، وربما تكون إعادة تنظيم لقواعد اللعبة التي دخلت الدور قبل النهائي. الشكل النهائي لأنشطة نهاية الأسبوع المصري الحالي تبدو شديدة التعقيد. فبين بزوغ جديد لنجم «حركة شباب 6 أبريل» على الساحة السياسية وفي الفعاليات الشارعية، وعودة بعد غيبة لفرقعة سلفية جديدة تشعل الأثير وتؤجج الجماهير، وانقسام أزهري بين دفاع مستنير عن شيخه الوسطي وهجوم مستميت ممسك بتلابيب فرصة التسمم الذهبية لضمه إلى قطار «الأخونة»، وطوابير سولار مهيبة وضعت شوارع مصر على خاصية «الجمود»، يقف المصريون في عطلة نهاية الأسبوع يتابعون هذه المشاهد العامرة بالحركة والمفرطة في الإبداع والغارقة في الالتباس الناجمة عن السير في الاتجاه المعاكس. وبينما عشرات من مركبات «التوك توك» التي غزت شارع شبرا (شمال القاهرة) تركض عكس اتجاه السير في حركات بهلوانية متداخلة، تتداخل العبارات المكتوبة على جدار شاهق: «مسجد وجمعية الأنصار للخدمات الاجتماعية المجانية»، «6 أبريل هتسقط الإخوان وتجار الدين»، «تحفيظ قرآن - مساعدات مادية - هبات عينية»، «خليك راجل وانزل يوم 6-4»، «تبرع يا أخي لمسجد الأنصار». ينظر أنصار ومحبو والمتعلقون بتلابيب الأمل في الخروج من غياهب الظلام الحالك الحالي، صوب «6 أبريل» باعتبارها قشة قد تقصم ظهر «الإخوان». دعوات «الإبريليين» إلى النزول اليوم إلى الشوارع ليكون «يوم الغضب» احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ورفضاً لاستمرار النائب العام «غير الشرعي»، وإحياء وليس احتفالاً بذكرى تأسيسها الخامسة تلاقي هوى في قلوب وعقول كثيرين حتى بين أولئك الذين نعتوهم يوماً ب «6 إبليس». تقول التدوينة «الإبريلية» التي دقت على أوتار الكثيرين: «لما (الرئيس السابق حسني) مبارك ساب حكومته تسرق فلوس الشعب كلنا ثُرنا ضده، مرسي سايب حكومته تسرق هوية شعب وثقافته وإبداعه. انزل يوم 6 أبريل وقُل مصر». وإذا كان من يجدون في حكم الجماعات الدينية طمساً لهويتهم المصرية سيهتفون باسم مصر اليوم، فإن غيرهم صاحوا: «سُنّة، سُنّة» أمس أمام القائم بالأعمال الإيراني في مواجهة ما يعبترونه «مداً شيعياً»، بعد نفاد جهودهم في مواجهة «مد التنصير» في «عاوز أختي كاميليا»، و «مد الإلحاد»، وغيرها من أنواع المد في نهايات أسابيع سابقة. نهاية الأسبوع هذه المرة اصطبغت كذلك بصبغة أزهرية في ضوء التسمم الجماعي الذي تراوحت تفسيراته بين الهوائي والسياسي والدجاجي و «الإخواني». تظاهرات وتراشقات لفظية وعنكبوتية تدور رحاها بين مصريين معارضين للنيل من شيخ الأزهر وما يسمونه بهجمة «أخونة» الأزهر الشريف، وآخرين محبين للجماعة لكنهم رغم تأكيدهم أنهم «مش إخوان» يطالبون بعزله مرة لأنه «فلول» ومرة لأنه «تسبب في تسمم الطلاب». وهناك من الطلاب من يطلب العلم ولو في الصين، ومن يطلب السولار ولو في الطابور. ففي وسط هذا المشهد السياسي الموزاييكي شديد الزخرفة، يمضي مصريون عطلة نهاية الأسبوع في طوابير محطات الوقود. ومع تزامن أزمة السولار الطاحنة التي تطورت (بحسب التصريحات الرسمية) من «المفتعلة» إلى «التهريب» ومنها إلى الصمت التام الذي تتخلله همهمات عن نقص السيولة ومعها لهفة سائقي مركبات نقل الركاب على الوقود الشحيح ومعهما موسم الحصاد والتلويح بتعرض محصول القمح للعفن في حال عدم توافر الوقود للجرارات الزراعية، يتأجج وقع الشارع المصري هو الآخر، لدرجة وقوع اشتباكات بين سائقي الجرارات والميكروباص في عدد من المحطات، أما بقية المصريين من غير أصحاب المحاصيل الزراعية وسائقي الميكروباص والأجرة، فإنهم يسألون أنفسهم ومعارفهم «هل نجوع؟». «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» خرجت أمس بتقرير مرعب أجابت فيه عن السؤال. يقول التقرير إن مصر تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، والرؤية الاقتصادية للنظام الحالي غير موجودة، وان مزارعين كثيرين عزفوا عن زراعة القمح هذا العام بسبب رفض الحكومة شراءه العام الماضي، وأزمة السولار تهدد بتوقف الماكينات عن الحصاد. ويمضي التقرير قائلاً: «رغم كل ذلك وعلى أفضل تقدير، وبافتراض وفرة المحصول ونجاح الحكومة في شرائه بأسعار مقبولة من المزارعين ترتفع عن السعر العالمي، فستظل هناك فجوة في الإنتاج المحلي لا تقل عن نصف مليون طن قمحاً، ما يهدد حق المواطن المصري في الحصول على الغذاء».