تريد فرنسا خفض حجم قواتها في مالي بشكل كبير بحلول نهاية العام وتحث مستعمرتها السابقة على إجراء انتخابات في يوليو تموز لكن تمرداً للمتشددين الإسلاميين يهدد هذا الجدول الزمني. ويساور القلق العديد من السكان في شمال مالي والذين عاشوا في ظل حكم الإسلاميين المتشددين في العام الماضي إزاء الخطط الفرنسية التي تهدف إلى ترك ألف جندي فقط من أربعة آلاف جندي موجودين حاليا في البلاد بحلول سبتمبر أيلول على أن تسد قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة هذه الفجوة. وقال الحسن ملقة وهو مدرس في مدينة تمبكتو القديمة "ينتظر الإسلاميون انسحاب الفرنسيين لفتح أبواب الجحيم. فلنأمل أن تتولى الأممالمتحدة سريعا المسؤولية لأن جيش مالي وحده لا يمكنه مواجهة خطر الإرهاب." وفي مطلع الأسبوع شن متشددون إسلاميون هجومهم الثاني على تمبكتو خلال اسبوعين عقب إصرار الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند على ضرورة إجراء الانتخابات في الموعد المقرر وكشف عن خطة لخفض أعداد الجنود. شنت فرنسا حملتها على المتشددين في مالي في يناير كانون الثاني وسرعان ما تمكنت من إخراج مزيج من الإسلاميين من معاقلهم في شمال مالي وقواعد جبلية نائية وضربت القيادة المحلية لجماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة. لكن اشتباكات جديدة وقعت عقب موجة من الهجمات الانتحارية والغارات على البلدات التي تمت استعادتها من المتشددين مما يبرز مهمة تأمين البلاد في الوقت الذي تتأهب فيه فرنسا لتسليم المسؤولية لجيش مالي وقوة إقليمية تابعة للاتحاد الافريقي قوامها سبعة آلاف جندي. والسيناريو الأسوأ هو تكرار حرب أفغانستان حيث يحول استمرار عمليات مقاتلي طالبان دون الانسحاب الكامل لقوات حلف شمال الاطلسي بعد 13 عاما من الصراع الذي أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى. ومن المقرر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في يوليو تموز وهي خطوة حيوية في تحقيق استقرار في البلاد بعد انقلاب عسكري في العام الماضي تسبب في فراغ في السلطة استغلها مقاتلو المعارضة لتحقيق مكاسب. وقال مسؤول رفيع في حكومة مالي طلب عدم نشر اسمه "نبذل كل ما في وسعنا لضمان إجراء الانتخابات في الموعد المحدد... لكن إذا سألتني عما قد يمنعهم (من الانسحاب) سأقول.. الأمن.. الأمن.. الأمن." يتوجه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى مالي غدا الجمعة للتأكد من إدراك الأطراف السياسية لأولويات فرنسا ومن أنها تقوم بكل ما في وسعها للالتزام بالجدول الزمني للانتخابات. وأوضح أولوند أن ما عرف عن فرنسا في الماضي من دعم زعماء افارقة بشكل غير محدود لم يعد قائما. وسارع بالتدخل في مواجهة المتشددين الذين يقول إنهم قد يمثلون خطرا جهاديا عالميا لكنه يؤكد على أن أبناء مالي وافريقيا أولا هم الذين يجب أن يتوصلوا إلى الحلول العسكرية والسياسية والاقتصادية على المدى الأطول. لكن الوقت ليس في صالحهم. إذ ان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سيجري اقتراعا هذا الشهر لتحويل البعثة الحالية الفرنسية والافريقية إلى قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة بحلول يوليو تموز. وإذا لم يتحسن الوضع الأمني سريعا يقر دبلوماسيون فرنسيون بأنه ربما يكون من الصعب تبرير أي خفض مبكر في حجم القوات. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي "الخوف هو انتشار الجهاديين عند انسحابنا... الخطر السياسي الحقيقي بالنسبة لنا إذا وقع حادث جلل في ذلك الحين على أرض الواقع." وكان إعلان رئيس مالي المؤقت ديونكوندا تراوري في أواخر يناير كانون الثاني إجراء انتخابات رئاسية في السابع من يوليو تموز والانتخابات البرلمانية بحلول 31 يوليو تموز استجابة لمطلب من حكومات غربية أيدت تدخل فرنسا. ورغم الهجوم في تمبكتو ما زالت باريس تؤكد أن قدرا كبيرا من العمل العسكري تحقق وأن من الممكن الالتزام بخطط الانسحاب. ووعدت بالإبقاء على قوة تدخل سريع لمحاربة المتشددين إذا لزم الأمر. وقال فابيوس قبل زيارته للعاصمة باماكو الواقعة في جنوب البلاد "من وجهة النظر الأمنية تحسنت الأوضاع.. لكن علينا الآن أن نعزز من هذا التحسن من خلال جعل هذا يمتد على المستوى السياسي وعبر التنمية الاقتصادية... نحن في حاجة لمشروعية ديمقراطية... يجب أن يعبر أبناء مالي عما يريدون بالنسبة لمستقبلهم." وتحدث الدبلوماسي الفرنسي عن الرسالة بشكل أكثر صراحة قائلا "قدمنا الموعد لتحفيز الماليين بعض الشيء. من السهل عليهم أن يجعلونا نحن نقوم بكل المهام لكن في مرحلة ما عليهم التحرك سياسيا." ويعتقد مسؤولون أن الجانب الفني من إجراء انتخابات بحلول يوليو تموز ممكن ما دامت الأحزاب السياسية متفقة على تنازلات معينة مثل قبول احتمال أن يكون إدلاء كل اللاجئين أو النازحين بأصواتهم بالغ التعقيد. ويقول مسؤولون فرنسيون أيضا إن أي موعد بعد يوليو تموز سيؤدي لتأجيل الانتخابات حتى نهاية العام بسبب الأمطار الغزيرة. غير أن أنشطة تمرد متفرقة إلى جانب بطء عملية التفاوض مع الانفصاليين الطوارق في الشمال الذين تعهدوا بالإبقاء على السلاح إلى حين حصولهم على ضمانات معينة ربما يفسد أيضا خطط أولوند. ويخشى مسؤولون في مالي وفي دول افريقية انسحاب فرنسا مبكرا ولا يعتقد كثيرون أن الانتخابات ممكنة في يوليو تموز. ويخشى السكان المحليون من خضوعهم مرة اخرى لحكم المتشددين. وقال ملقة المدرس من تمبكتو "انسحاب ثلاثة آلاف جندي في المدن الشمالية سيمثل تخليا عنا وسيكون وبالا علينا." وما زال جيش مالي الذي يعيد مستشارون من الاتحاد الأوروبي تدريبه متداعيا بعد الانقلاب وسلسلة من الهزائم التي تتسبب في تدني الروح المعنوية العام الماضي. وبقى اغلب القوات الافريقية في الجنوب والكثير منها يفتقر للإمدادات اللوجستية والتمويل والتدريب لكن الحصول على تفويض من الأممالمتحدة من الممكن أن يخفف من هذا العبء. ومما يزيد من القلق بصفة عامة ما زال الكابتن امادو سانوجو زعيم الانقلاب له تأثير في باماكو. وتوقع دبلوماسي افريقي رفيع قائلا "هناك الكثير من النوايا الحسنة من أولوند لكن الواقع الفعلي سيعني أن الانتخابات ستتأجل إلى ما بعد موسم الأمطار".