لا شك في أن اعتذار رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتانياهو، من نظيره التركي عزز دور الاخير، داخلياً وخارجياً. ولعل رد المعارضة التركية والمنافسين الاقليميين هو خير دليل على ذلك. وسعت المعارضة التركية الى تقويض أهمية هذا الحدث بالقول إن الاعتذار هو ثمرة «ضغط» الرئيس الاميركي باراك أوباما وأنه يخدم المصالح الاسرائيلية في سورية. ولو كانت هذه التفسيرات في محلها، فإنها لا تطيح الاعتذار ولا تبدد أهميته. والشبه كبير بين موقف المعارضة التركية وموقف نظيرتها الاسرائيلية اليمينية التي انتقدت الخطوة من جهة وحذرت أنقرة من فهم الاعتذار بشكل خاطئ أو استخدامه لاستعراض عضلات في المنطقة. وكان لافتاً إقامتها اوجه الشبه بين تصريحات أردوغان المنتشية بالنصر وبين تصريحات «حزب الله» اللبناني و «حماس» الفلسطينية. والمقارنة هذه هي مؤشر الى استفحال تدهور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب يُظهر التحديات التي تنتظر الطرفين لإعادة العلاقات الى سابق عهدها. فالمعارضة الاسرائيلية ذكرت أن حسن نصرالله الذي ملأ العالم بتصريحات النصر المظفر في حرب 2006 مع اسرائيل، لا يستطيع الى اليوم أن يظهر في العلن، ولم يجرؤ من يومها على قصف اسرائيل، تماماً مثل «حماس» التي أعلنت نصرها الإلهي على اسرائيل في حرب 2008. فلم تعد تجرؤ على قصف اسرائيل، وصارت تحرس أمن حدودها الجنوبية. والحق يقال، الاشارة الى «حزب الله» و «حماس» لا تجافي الصواب. ودار كلام هذه المعارضة على طبيعة الاعتذار الاسرائيلي وما يحمله من تفاصيل لم تذكرها الحكومة التركية من قريب أو بعيد. فالاعتذار الاسرائيلي لم ينزل على شرط اردوغان السابق (إعلانه على الملأ)، بل قُدم (الاعتذار) عبر مكالمة هاتفية. وهو ليس اعتذاراً عن التدخل الاسرائيلي بل عن «اخطاء» وقع فيها الجيش الاسرائيلي في عملية اقتحام سفينة مرمرة، أي ان الاعتذار لم يكن على العملية أو اقتحام سفينة في المياه الدولية، كما طلبت أنقرة. ولم يترافق الاعتذار مع رفع الحصار عن غزة، على ما أرادت تركيا اردوغان. وحري بالأتراك أن يدركوا ان خطوة الاعتذار جاءت تعبيراً عن القلق الاميركي إزاء خطر تقسيم سورية وانزلاقها الى فخ الفوضى. والحرص الاميركي على بعث العلاقات التركية - الاسرائيلية والاهتمام الاسرائيلي بالأمر يرميان الى الحفاظ على أمن اسرائيل من نتائج مآل الامور في سورية. وتبرز أهمية تصريحات اللوبي اليهودي في أميركا الذي أيّد الاعتذار، على رغم بعض التحفظات. وأعلن اللوبي هذا أن امن اسرائيل ومصالحها العليا مرتبطة بهذا الاعتذار وباستئناف العلاقات مع تركيا، وأن ما حدث لا يجوز تصويره على انه نصر للديبلوماسية التركية في حرب بين البلدين. ودعا الى اعتبار الاعتذار فوزاً للطرفين اللذين غلّبا كفة المصالح على غيرها من المشاعر أو الحساسيات. وخلّف ما حصل شعوراً بالنصر في حرب نفسية في اسرائيل. وبدا ان النصر هذا لا يقل أهمية عن فوزها بحرب 1973 واحتلالها مرتفعات الجولان، اذ صارت اسرائيل تشعر بأنها أقوى في الموضوع السوري بعد المصالحة مع تركيا. وجلي أن هذه المصالحة ازعجت طهران التي لن يسعها بعد اليوم استخدام الورقة الكردية لقض مضاجع تركيا منذ اعلان عبدالله أوجلان خريطة طريق للمصالحة الكردية - التركية في عيد النوروز الفائت. ولا ريب في ان المصالحة التركية - الاسرائيلية ستعيد خلط الأوراق وموازين القوى في المنطقة. ويُتوقع رد اقليمي يمتد على طول فالق يبدأ من طهران وتكر سبحته الى بغداد ودمشق. * كاتب، عن «راديكال» التركية، 27/3/2013، اعداد يوسف الشريف