تدخل كل من سارة الدريس وإلى جانبها رانيا السعد ورنا جاسم السعدون، وأخريات، قاعات المحاكم في دولة الكويت، ليحاكمن كما يحاكم الرجال من قوى المعارضة، أو ما اصطلح على تسميته الحراك السياسي. وقد يخيل إلى البعض أن هذا الحراك الذي لم يهدأ منذ أكثر من سنة، يقتصر على الرجال وهو ذكوري بامتياز. لكن حقيقة الأمر أن الفتاة الكويتية، دخلت هذا الحراك، وكانت حاضرة في المسيرات، تهتف كما يهتف الرجال، وتدوّن كما يدوّنون، وتحاكم كما يحاكمون. وصار مشهد المرأة الكويتية وهي تشارك في الندوات والاعتصامات والمسيرات مألوفاً، بل كثيراً ما اتخذته قوى الحراك السياسي مصدر قوة لها، ومنح المرأة ألقاباً ك «الحرة» و «أخت الرجال». وعلى رغم أن التاريخ في الكويت لم يغفل أبداً دور المرأة التى سعت جاهدة للمطالبة بحقوقها السياسية، حتى نالتها بمرسوم أميري عام 2005، إلا أن الواقع اليوم يختلف كثيراً عن سابقه. فالمرأة اليوم تقول «لا» في وجه ما تراه مخالفاً لمبادئها وقناعاتها السياسية حتى وإن مست هذه ال «لا» الحكومة أو السلطة، في جرأة لم تشهدها الحياة السياسية في الكويت من قبل. وها هي سارة الدريس، الكاتبة والناشطة السياسية، تحاكم اليوم في قضية أمن دولة بتهمة التطاول على مسند الإمارة وإساءة استخدام الهاتف والتحريض على التجمعات والمسيرات ونشر أخبار كاذبة في الخارج. ونسبت التهمة لسارة على خلفية تغريدات دوّنتها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، منتظرة مستقبلاً مجهولاً بعدما اختارت طريقاً شائكاً يسمى «النشاط السياسي». وتصف سارة تجربتها ل «الحياة» فتقول: «في السابق كنا شعوباً مستسلمة تقبل الحكم المفروض عليها على علاته، وطموحها لا يتجاوز قوت يومها. نتذمر من الأوضاع على استحياء، ولا نعرف أين يكون مكمن الخلل، لشح الثقافة وسطحية الاطلاع، لكن رياح الربيع العربي أشعلت الضمير الإنساني داخلي، وصرت كأي مواطن معنية بتجاوزات السلطة وتفجر وعي ما داخلي فصرت مواطناً يستنكر ويشجب ويرفض الاستمرار بتهميشه، وإهانة كرامته... مواطناً يدرك حقوقه ويطالب بها، ومستعد لأن يدفع الثمن من أجل انتزاعها». وتضيف: «كنت وما زلت أسعى إلى تثقيف نفسي حتى أساهم في زيادة الوعي في مجتمعي، كما سعيت للتأثير في الآخرين، ولإيجاد رؤى خاصة وعرض رأي حر والتمسك بمبدأ إنساني، فجنيت على أثر ذلك قضية أمن دولة وبت مهددة بالسجن». ولأن سارة هي حالياً معلمة للمرحلة الثانوية في إحدى المدارس الرسمية، يتبادر إلى الذهن معرفة السبب وراء انخراطها بالحراك السياسي الحالي الذي يتميز بشدة لم تعهدها الحياة السياسية الكويتة. وتقول: «باتت السياسة شأناً عاماً يمس كل مواطن، وهي المدخل الرئيس للإصلاح الاجتماعي، وبما أن البوعزيزي ذلك الفرد البسيط أشعل ثورة شعوب على أنظمة عانت من الطغيان دهوراً، آمنت بأن كل مواطن له القدرة على التأثير، وأن التغيير يبدأ من فرد يحمل رايته للآخرين حتى تتسع الدائرة وتتكون أهداف جامعة يسعى الجميع إلى تحقيقها فيحدث التطور. ولأني آمنت بأن السيادة للأمة شرع ودستور، وأنا فرد من هذه الأمة، أيقنت أن لا حقوق بلا مطالب». ندرة المعارضة النسائية ومن الدريس إلى الكاتبة السياسية رانيا السعد، المتهمة أيضاً مع 16 ناشطاً بالتجمهر والمشاركة في مسيرة غير مرخصة والاعتداء على رجال الأمن، التي ترى أن الحراك في السنوات الأخيرة كان مختلفاً جداً من ناحية الكثافة والمكونات والأهداف. والسعد سبق وشاركت في حملات كثيرة منها «حق المرأة السياسي» وحملة «نبيها خمسة» (المطالبة بتعديل قانون الانتخاب)، تقول: «حملة «ارحل» التي وجهت لرئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد سبقت الربيع العربي واعتمدت في البدايات على المدوّنات ثم انتقلت الى «تويتر» كوسيلة تواصل اجتماعي أسرع وأكثر إيجازاً، كما أن نتائجها كانت مدوية وفاقت التوقعات وعليه فالفاتورة كانت ضخمة». وتوضح السعد: «لا يخفى على أحد أن الفاتورة السياسية التي تدفعها المرأة في عالمنا العربي أكبر من تلك التي يدفعها الرجل. فالحرب عليها دوماً تأخذ بعداً اجتماعياً ويتم التشكيك بأخلاقياتها وبشرفها كوسيلة رخيصة لثنيها عن هدفها، والسبب يرجع إلى ندرة العنصر النسائي في العمل السياسي المعارض تحديداً، وأثر تلك الندرة واضح، فالمرأة حين تتكلم بشجاعة فإنها تحفز الرجل الشرقي الذي لا يزال يرى الشجاعة صفة ذكورية». ولأنها ملاحقة سياسياً بفعل مواقفها المعارضة للحكومة، ترى السعد تجربتها ثرية ولا تشبه أي تجربة سابقة في العمل السياسي بسبب «شراستها» على حد قولها، ما أضاف إليها الكثير من الصلابة ولقنها دروساً متنوعة ناجمة عن تباين مكونات الحراك أيديولوجياً واجتماعياً. وترى السعد أن المرأة الكويتية التي تملك طموحاً سياسياً قد تتجه في الغالب للوقوف مع الحكومة لأنها الوسيلة الأسهل لوصولها إلى البرلمان وتحقيق طموحاتها، ما يفسر برأيها قلة الصوت النسائي المعارض. وتقول: «قليل العدد لكنه قوي التأثير. أما من ناحية التنظيم فلا تزال الخطوات خجولة نحو تأسيس حركة نسائية معارضة لها ثقلها». مناضلة بالصدفة! أما رنا جاسم السعدون، فقد دخلت الحراك السياسي في شكل مختلف. وصحيح أنها هي أيضاً من المتهمات قضائياً، إلا أن تهمتها جاءت ترجمة لتحركها على أرض الواقع بتشكيل اللجنة الوطنية لرصد الانتهاكات. وتقول عن تجربتها: «دوري أتى بالصدفة البحتة. وجدت نفسي أنتقل من مراقبة للسياسة، إلى شخص موجود في منتصف المعترك السياسي، ولم يكن هذا الانخراط باختياري. بل كان بالصدفة. وما عزز العمل تكوين اللجنة الوطنية لرصد الانتهاكات، فبعد مسيرات المناطق قمنا بالبحث عن المعتقلين والاتصال بأهلهم في محاولة لإيصالهم بالمحامين. هنا كانت البداية وبعدها أسسنا اللجنة». وترى السعدون أن التحرك السياسي في الكويت، ينقصه العنصر النسائي. وتقول: «العنصر الذكوري أكثر حضوراً، لكن ربما هذه القلة من النساء تقوم بدور يفوق 10 من الرجال الموجودين خصوصاً أن هناك نساء يعملن وينجزن بصمت». وتمنت السعدون أن تتشجع النساء أكثر للدخول في الحراك السياسي والاستفادة من تجارب الدول المجاورة، داعية مجتمعها «الذكوري» إلى ألا ينسى دور المرأة وما قدمته لبلدها خصوصاً في ضوء ما حصل ويحصل في تونس وليبيا ومصر واليمن.