سال الدم، واحتك الشباب بقوى الأمن، فسقطت الحواجز، في ليلة لم تشهد لها الكويت مثيلاً. الإثنين 16 تشرين الأول (أكتوبر)، سيسجله التاريخ كبداية جديدة لعهد من الحراك الشبابي الذي غفا طويلاً، وفق مراقبين، فاستفاق دفعة واحدة على خطاب سياسي جريء، فقوى المعارضة في الكويت لم يعد يحدها سقف، يقف النائب منها صادحاً بالصوت العالي موجهاً حديثه لأمير البلاد الشيخ صباح الأحمد مباشرة، ليردد الشباب كلامه من خلفه. ففي هذا اليوم خرجت قوى المعارضة في اعتصام نظمته حركة «نهج» السياسية، التي تنضوي تحتها كتل وقوى سياسية، تحت شعار «كفى عبثاً»، رفضاً لإصدار مرسوم أميري يتغير فيه النظام الانتخابي الحالي (خمسة دوائر بأربعة أصوات) إلى نظام جديد من شأنه تغيير تركيبة مجلس الأمة الذي جاء في الانتخابات الماضية بغالبية من قوى المعارضة. ارتفع الصوت حتى شق السقف السياسي المعتاد، فالنائب السابق مسلم البراك، أحد رموز المعارضة، خرج عن المألوف وقدم خطابا نارياً تجاوز فيه علاقة الشعب بالحاكم، وهي علاقة تميز الكويت ببعدها الاجتماعي والثقافي. ومن على منصة ساحة الإرادة، لخص موقفه بالقول: «رفعت الأقلام وجفت الصحف وسألبي نداء مسيرة كرامة وطن»، وإذا بالشباب يرددون عباراته ويهتفون بها بجرأة لم تشهدها البلاد من قبل. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فما إن أنهى المتحدثون في التجمع خطاباتهم، حتى أصر الحشد على الخروج بمسيرة، محاولين تجاوز الحاجز الأمني، ما تسبب باحتكاكات بين المتظاهرين وقوات الأمن أدت لإصابات من الجانبين، وانتهت باعتقالات بين صفوف الشباب. واختلفت الروايات بين شهود عيان من الشباب وبين قوى الأمن، فتقول إحداها إن قوات الأمن ضربت طوقاً أمنياً حول أحد مخفر الصالحية القريب من مكان التجمع، بعد اعتصام أمامه للإفراج عن المعتقلين، ولم يسمح بالدخول سوى لبعض المحامين. وتقول رواية أخرى إن البعض «حاول الخروج في مسيرات، متجاوزاً الحواجز الأمنية في الشوارع المؤدية إلى قصر العدل وقصر السيف، لكن وزارة الداخلية وقفت لهم بالمرصاد ومنعتهم، ما أدى إلى حدوث تدافع واشتباكات بين الطرفين، وإصابة عدد من الأشخاص من الجانبين، فضلاً عن اعتقال أشخاص، الأمر الذي جعل النواب المشاركين يصرون على عدم الانصراف من دون إطلاق سراحهم». ولكن، وفي جميع الأحوال، فإن الاعتصام ولَّد عنفاً واشتباكاً أمنياً بين الشباب وقوى الأمن نتج عنه اعتقال عدد من الشباب هم عبد العزيز احمد السعدون (ابن المعارض أحمد السعدون) ومنذر الحبيب ومحمد العريمان وعمر العريمان ومبارك المطيري، ما دفع بعض النواب السابقين والحقوقيين إلى اللجوء لجمعية حقوق الإنسان الكويتية لتقديم شكوى ضد قيادات في وزارة الداخلية تتهمهم فيها بالاعتداء على الشعب الكويتي بالضرب والإهانة. كذلك، نظمت الجبهة الوطنية لحماية الدستور (من قوى المعارضة) اعتصاماً تضامنياً رمزياً للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، معلنة استمرار الاعتصامات لحين الإفراج عنهم. ولكن السؤال المطروح في الكويت اليوم هو: هل بدأ الشباب عهداً جديداً من الحراك السياسي؟ يعترف رئيس الحركة الديموقراطية المدنية «حدم» طارق المطيري بحضور لاعب جديد على الساحة السياسية الكويتية متمثلاً بالحركات السياسية ذات الطابع الشبابي المستقلة عن الحركات السياسية التقليدية، ما سيعكس «أثراً إيجابياً جداً على تقدم المجتمع نحو ديمقراطية حقيقية والى مزيد من الحريات والمكتسبات». ويعد المطيري أحد ابرز الناشطين الشباب في الكويت وهو يقود حركته «حدم» التي تعتبر بدورها من المكونات الرئيسية للجبهة الوطنية لحماية الدستور. ويرى المطيري أن المجموعات الشبابية تطورت مع الوقت من حيث الممارسة والشكل والطرح. فمنذ 2006 وتحديداً مع انطلاق حملة «نبيها خمسة» (التي طالبت بتعديل الدوائر الانتخابية) ثم حملة «ارحل» المطالبة برحيل رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد في 2009 وصولاً إلى مجموعة «السور الخامس» في 2011 عقب أحداث ديوان النائب السابق جمعان الحربش (وسميت بالأربعاء الأسود لحدوث اشتباكات أمنية بين المجتمعين وقوى الأمن) ثم مجموعة «كافي» التي أصدرت بيانها في 28 شباط (فبراير) 2011، بدأت التكتلات تتوالى وتتعدد، إذ اكتشف الشباب قدرتهم على العمل السياسي المستقل وغير المقيد بالأحزاب التقليدية وحركتها البطيئة التي شاركت لحد بعيد في تدهور الواقع الكويتي . ويقول المطيري: «اليوم عاد التمايز بين القوى السياسية الجديدة بقيادة غالبيتها من الشباب الذي يمثل الثقل الاجتماعي الأكبر وبين قوى سياسية تقليدية»، لكن المطيري يرى أن الحراك لا يزال في بداياته، فالقوى السياسية الجديدة الممثلة بتيار شبابي غالب ومتجدد، لا تزال تخطو خطواتها الأولى. وتمثل الحركة الديموقراطية المدنية «حدم» أقصى ما حققه هذا الحراك حتى الآن، فهي تمثل تنظيماً سياسياً حقيقياً قائماً على لوائح ونظم تتجاوز ال90 مادة تحدد آليات اتخاذ القرار والموقف السياسي وتنتخب قياداتها المعبرة عنها وتطرح مشروعها السياسي المحدد وخطابها السياسي الذي يميزها ويثبت استقلاليتها. وعن موقف شباب «حدم» من الوضع السياسي الراهن، يقول المطيري: «هو الاستمرار في الضغط على السلطة حتى تدرك حجم المشكلة في البلاد من فساد في الممارسة السياسية وحتى تقتنع بضرورة التحول للنظام الديموقراطي الحقيقي والقبول بالإصلاحات السياسية التي تؤدي للحكومة البرلمانية المنتخبة والملكية الدستورية». ويضيف: «نحن نعتقد أن السلطة حتى الآن ترجح الخيار الأمني وتسعى للصدام مع الشعب لتأخير استحقاق الإصلاح السياسي، وهذا لن ينجح حتماً، فالعصر عصر الشعوب والتحول الكبير والمهم الحاصل في المنطقة منذ انطلاق الثورات العربية لا بد وأن تفهمه السلطة جيداً وتتعامل معه بواقعية تتخلص بها من استخدام أدوات وخطاب عصر سابق لن يعود أبداً» . بدر العنزي أحد أعضاء تجمع «نهج»، يرى من جهته أن الوضع في الكويت اختلف كلياً خلال الأحداث السياسية المتعاقبة. ويقول: «سابقاً كان هناك عمل تقليدي للبرلمان يتمثل في نزول مرشح مدعوم قبلياً أو عائلياً أو من خلال طائفة، فيما الشباب غائب عن العملية السياسية. أما اليوم فحدثت نقلة نوعية والدليل انصياع نواب البرلمان في مجالس سابقة لرغبات الشباب وتطلعاتهم، فمن قاد ويقود الحراك السياسي الحالي هم شباب كويتيون مخلصون مرتبطون مباشرة بالكويت». وعن الوجود الشبابي في تجمع «نهج» الذي يقود الاعتصامات الحالية، يقول العنزي إن «نهج تتكون من قوى سياسية فعالة في الحراك السياسي، وجميع من يمثل هذه التيارات السياسية هم من فئة الشباب». الشباب قادمون إذاً، ليس فقط وفق المطيري والعنزي، وإنما أيضاً وفق السجن الذي يؤوي بعض من خرج منهم للتظاهر.