ألقى وزير النفط السعودي علي النعيمي كلمة شاملة أمام مؤتمر استثمار في هونغ كونغ في رعاية مصرف «كريدي سويس»، شرح فيها السياسة النفطية السعودية واهتماماتها. وسنحاول بإيجاز، إبراز العناوين الرئيسة في الكلمة. شرح النعيمي أهمية السوق الآسيوية لصادرات النفط السعودي، واستعرض تطور العلاقات بين الطرفين. فقد ارتفعت إلى آسيا حوالى 40 في المئة منذ العام 1997. وزادت إلى الصين وحدها، من لا شيء تقريباً عام 1999 إلى أكثر من مليون برميل يومياً، أو أكثر من 10 في المئة من إنتاج المملكة حالياً. ووقعت اتفاقات لمشاريع مشتركة مع كوريا الجنوبية واليابان والفيليبين والصين. وتوسعت استثمارات الشركات الآسيوية في المملكة. وتوقع استمرار ذلك خلال السنوات العشر المقبلة. بدأ النعيمي كلمته مبيناً توطيد العلاقات النفطية لبلاده مع الدول الآسيوية وزيادتها، إذ ارتفعت أهمية هذه الأسواق لتصبح الأولى لصادرات النفط السعودي، والأكثر ربحاً، ناهيك عن ازدياد المشاريع البترولية المشتركة، ما يضمن أسواقاً ضخمة لتصريف النفط السعودي، إضافة إلى الاستثمارات الضخمة في المملكة. ثم تطرق إلى أثر تعليقات المحللين والمراقبين على تطورات السوق والأسعار، وتكمن أهمية الموضوع في أن هذه المجموعة من المختصين تشكل غالبية الحضور في مؤتمرات مختصة من هذا النوع. ولفت انتباه المراقبين إلى العوامل الواسعة المتداخلة في إقرار أسعار النفط، والتي تتجاوز النظرة التقليدية المهتمة بميزان العرض والطلب فقط. وانتهز الفرصة لإثارة ثلاثة مواضيع جدلية حول الموضوع، أولها الطاقة الإنتاجية الفائضة للمملكة. وأعرب عن دهشته لبعض التقارير والتحاليل التي تصدر عن مؤسسات مرموقة، بالذات التقارير «التي تتساءل عن الطاقة الإنتاجية الفائضة للمملكة، وعن توافر الإمكانات والاحتياطات الكافية للمحافظة عليها». ثانياً، عالج النعيمي نظرية «ذروة النفط» التي يثيرها كثير من المحللين، موضحاً أنها قديمة بقدم الصناعة النفطية نفسها. وذكر بأن الاحتياطات في ارتفاع مستمر، على رغم تكرار الإشارة إلى هذه النظرية واستهلاك البلايين من البراميل خلال أكثر من قرن، وهي فترة نشوء الصناعة النفطية وصعودها. ويعزى السبب في استمرار اكتشاف احتياطات جديدة تعوض ما تم استهلاكه، بل تزيد عليه، إلى روح الإبداع عند الإنسان وتقدم التقنية التي توفر المجال للتأكد بصورة أكثر دقة وأقل كلفة من احتمال العثور على حقول جديدة في أعماق البحار أو في مناطق نائية، مثل القطب الشمالي، أو اكتشاف نفوط غير تقليدية وإنتاجها بأسعار تجارية. ولفت إلى أن الذين استمروا يحذرون ويتخوفون من «ذروة النفط» وانتهاء عصره قريباً، أخذوا يتكلمون اليوم عن فائض في الإمدادات. وقال: أعتقد أن النفط الصخري، الذي يشكل احتياطات تجارية، هو خبر سار للاقتصاد العالمي، الذي يعتمد على أنواع من مصادر الطاقة لتحقيق النمو اللازم. وآمل في الوقت ذاته، في أن تعمل هذه الطاقات الإنتاجية الإضافية أيضاً، على تحقيق استقرار أكبر للأسواق والأسعار. وتطرق النعيمي إلى عنصر مهم في سياسة المملكة النفطية، وهو المحافظة على طاقة إنتاجية فائضة، مشيراً إلى أن السؤال الأساس هنا ليس «هل تتوافر طاقة إنتاجية فائضة للملكة العربية السعودية»، بل هل هناك حاجة إلى إنفاق بلايين الدولارات للمحافظة على هذه الطاقة الفائضة؟». وأجاب «طبعاً، الجواب يكمن في أننا نتبع سياسة الطاقة الإنتاجية الفائضة ونحافظ عليها، لأجل ضمان استقرار أسواق النفط ولكي نتأكد أن هناك إمدادات كافية للأسواق العالمية». وبالنسبة إلى أسعار النفط، وهي النقطة الثالثة، فأكد أن الكلام عن سعي المملكة إلى الحصول على سعر محدد يغطي مصاريف الموازنة، هو أمر غير دقيق. فسعر النفط «يعكس واقع الاقتصاد العالمي، أكثر منه قرار حكومة ما». وأشار النعيمي إلى أن تدهور أسعار النفط سيؤثر من دون شك في اقتصاد الدول المنتجة والاقتصاد العالمي. فالأسعار المنخفضة ستقلص الاستثمارات في مصادر الطاقة غير التقليدية، إضافة إلى تدمير الاستثمارات في تقنيات بدائل الطاقة المستدامة. وهذه أمور ذات أهمية حيوية للدول الصناعية المستهلكة. من ثم، يستنتج أن تدهور أسعار النفط سيشكل ضغطاً على الدول المنتجة والمستهلكة في الوقت ذاته. وذكر أن من غير المعقول تصور المسؤولين في دولة منتجة مجتمعين من أجل الوصول بالأسعار العالمية إلى مستوى معين. ورداً على سؤال عن سعر عادل للمنتجين والمستهلكين، فأجاب: «عام 1996 كنت أرى أن 20 دولاراً للبرميل سعر معقول، وفي 2006 كنت أرى أن 27 دولاراً سعر مناسب، والآن أعتقد أن السعر المعقول هو حوالى 100 دولار للبرميل». لكن، على رغم صحة هدا الكلام، فالاعتقاد السائد هو أن تدهور أسعار النفط يشكل ضغطاً أكبر على الدول المنتجة منه على الدول المستهلكة. فتدهور الأسعار له علاقة مباشرة بموازنات الدول المنتجة، التي تعتمد في شكل كبير على الريع المالي الناتج عن الصادرات النفطية. أخيراً، تطرق النعيمي إلى موضوع أخذ يثير الكثير من التساؤلات أخيراً، وهو الزيادة العالية جداً لاستهلاك الطاقة في المملكة ومدى تأثير ذلك مستقبلاً في صادراتها النفطية. فأشار إلى أن النمو الاقتصادي يعني البناء وتشييد البنى التحتية والمصانع... وهذا النمو طبعاً يتطلب استهلاكاً أكبر للطاقة. ولهذا السبب يزداد تنويع مصادر الطاقة في المملكة. يشكل موضوع ازدياد استهلاك الطاقة في الدول المنتجة الشرق أوسطية، عنواناً مثيراً للجدل، والسبب في ذلك التخوف من استيعاب الدول المنتجة معظم إنتاجها من النفط الخام لتلبية استهلاكها الداخلي المتزايد. لكن هذه ليست مشكلة جديدة. وصعوبة تفهمها يعود إلى تباطؤ استعمال الغاز وبدائل الطاقة المستدامة في الدول المنتجة، ناهيك عن شح المعلومات في هذا الموضوع برمته، ما يجعل تغطية الموضوع بدقة أمراً صعباً. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية