منذ سنوات لم يأت شهر رمضان الفضيل، والنفوس السعودية وربما المسلمة كافة، تتلهف إليه مثل هذا العام، بوصف الزائر المبارك سحابة يغتسل الصائمون بروحانيتها من أوجاع سنة مريرة، أرهبتهم بالزلازل والخنازير والغلاء. وكانت الأزمة المالية العالمية على رغم أن شرارتها الأولى انطلقت غربياً قبل رمضان الماضي، إلا أن معاركها الضارية لم تصل للمنطقة العربية إلا بعد أشهر. ومع أن السعودية وفقاً لتقديرات البنك الدولي أخيراً واجهت الأزمة من موقع قوة، إلا أن قلوب السعوديين الذين يشاهدون منارات الاقتصاد العالمية تتهاوى لم تكن من فولاذ، فظلوا يخشون عواقب الأزمة من الكساد والبطالة وسوء الحال. ما إن طمأنت تصريحات خادم الحرمين الشريفين شعبه بتجاوز بلادهم كارثة الأزمة العالمية، حتى استفاقوا على هزات وزلازل في الناحية الشمالية الغربية للمملكة، فتشردت أسر عدة، وهجّرت عائلات من ديارها، بعد ثوران الطبيعة على أهالي العيص وأملج وما حولهما. المتضررون من الزلازل هنالك سريعاً ما لفت أنظار الناس عنهم وباء انفلونزا الخنازير، الذي دق أبواب السعودية مع حلول إجازة الصيف، ما أجبر عائلات عدة على مراجعة برامجها الصيفية، والهروب إلى المصايف المحلية، قبل أن ينتشر الوباء محلياً، ويحصد أرواحاً هنا وهناك، وينشر الرعب بين أرجاء المملكة. إذا ما أضيف لتلك الأزمات قصة غلاء الأسعار وجشع تجار، كلما زادت الحكومة دعمها للمواد الأساسية زادوها ارتفاعاً، فإن السعوديين وأشقاءهم في كل أنحاء العالم بحاجة إلى «استراحة» ولو قصيرة، لالتقاط أنفاس أرهقتها الأزمات. إلا أن علماء الدين ونشطاء الترفيه الذين باتوا نجوم شهر رمضان بلا منازعين، وإن حاولوا أن ينسوا المشاهدين والمتابعين، مصائب عامهم السابق بمساعدة روحانية رمضان، تبقى الكلمة الفصل لأصحاب القرار السياسي في أنحاء العالم. ففي عالم الفضائيات ليست الهموم المحلية وحدها ما يثير قلق المواطنين، ولكن أيضاً أحزان جيرانهم من يمنيين وعراقيين وفلسطينيين... وغيرهم. أما نصيحة الفقهاء فهي الإقبال على النهل من الروحانية، وتناسي كل الهموم، والكف عما ينغص السلامة، حتى وإن كان قصد البيت الحرام للعمرة أو تقبيل الحجر الأسود.