لم تفقد المصارف السويسرية الكبرى قدرتها على إقناع المستثمرين بصلابتها، ما يعتبر الحجر الأساس في إبقاء علاقة تجارية طويلة الأمد بينها وبين المستثمرين والمدخرين. لكن ما يحصل اليوم من مفاجآت في أسواق الاقتصاد والمال، يجعل احتمال تقسيم المصارف السويسرية الكبرى إلى أخرى أصغر حجماً وموزعة بين سويسرا والخارج، وارداً وتباركه حكومة برن. في الواقع، ساهمت الحقائق المتأتية من الأذرع الاستثمارية (اينفستمنت بنكينغ) لمصرفين، كما «يو بي أس» و «كريديه سويس»، في تسريع اتخاذ قرارات مهمة بما أن نتائجها كانت مخيبة للآمال. وهكذا، تصطدم النشاطات الاستثمارية للمصارف الكبرى هنا بحاجزين: الأول هو تحقيق أرباح لا تزال دون التوقعات للسنة كاملة. فيما يتمثل الحاجز الثاني بالتكاليف المرتفعة التي ترافق تقوية قدرات هذه الأذرع الاستثمارية إلى حد أبعد. أما بالنسبة للعام الجاري، فقد حققت المصارف السويسرية الخاصة والصغيرة، أرباحاً أعلى منها في الأسواق المصرفية المحلية. ويواجه مصرفا «يو بي أس» و «كريديه سويس» مرة أخرى مشاكل، لناحية عدم قدرة خبرائهما على التنبؤ بالعائدات والأرباح حتى نهاية السنة. إذ بعدما كان معدل هذه الأرباح يرسو على زيادة تتراوح بين 18 و20 في المئة مقارنة بالعام الماضي، ها هي التوقعات اليوم، تشير إلى زيادة لا تتخطى 13 في المئة، إذا حالفهما الحظ! وفي ضوء تفاقم الأزمة المالية، وأزمة قوة الفرنك السويسري، وتبعاتهما على البيئة المصرفية والصناعية هنا، فإن خبراء الاستراتيجية المصرفية يرسمون تقسيم المصارف الكبرى إلى ثلاثة، هي إدارة الأموال، والاستثمارات، والأسهم والسندات والأصول. ومع أن انتقام المصارف السويسرية الكبرى شمل إلى اليوم، مديري وموظفي فروع إدارة الاستثمارات المحلية، من طريق تسريح الآلاف منهم، إلاّ أن مستقبل قسم إدارة الاستثمارات سيكون أفضل بشرط أن تتمكن المصارف من نقله إلى الخارج وتحديداً إلى آسيا بهدف خفض التكاليف. بمعنى آخر، يعتمد تقسيم المصارف الكبرى على الإبقاء على محرك إداري سويسري، وتوزيع كل الأذرع الإنتاجية في الخارج أي في آسيا على المدى القصير، وأميركا الجنوبية وأفريقيا على الأمدين المتوسط والطويل. في هذا الصدد، يرى خبراء ومحللون أن عملية التقسيم هذه ستمنح المصارف السويسرية الكبرى فرصة أفضل في معالجة الضرائب المتوجبة عليها. كما سيتمكن الزبائن من تنويع استثماراتهم لمواجهة الأخطار في شكل أفضل. فيما ستلعب الحكومة الفيديرالية دوراً أصلب في إنقاذ هذه المصارف عند الضرورة. وإلى الآن، لا تتمكن حكومة برن إلا من لعب دور هامشي في أي عملية إنقاذ مصرفية تُطلب منها. إذ يحظّر على المصارف السويسرية الكبرى إعلان إفلاسها على عكس ما حصل في أميركا وأوروبا. ويعزو الخبراء هذا الفخر، حتى في الأوقات العصيبة، إلى أن المجد المصرفي السويسري خالد. وبما أن موازنات المصارف الكبرى ضعف أضعاف المخزون المالي لحكومة برن، فان قيام الأخيرة بإنقاذ مصارف، مثل «يو بي أس» و «كريديه سويس»، غير منطقي. لكن، في حال تقسيم مصارف كهذه وتصغير حجمها، يصبح التدخل الحكومي ممكناً. وسيتمكن الزبائن من حاملي الأسهم التابعين للمصارف السويسرية، من جني سلة من المنافع. لأن فصل إدارة الأسهم والسندات عن النشاطات الاستثمارية سيكون رئيساً في تجنب الصدمات، للزبائن والمصارف معاً. علماً أن النشاطات الاستثمارية للمصارف، التي طالما خلطت عشوائياً أوراق المصارف بأموال الزبائن، تخضع لتقلبات حادة لا تتجانس مع رغبات شرائح واسعة من المستثمرين المنتمين إلى الطبقات الوسطى. في الوقت الحاضر، تبرز رغبة في إيجاد بديل للمصارف، أين يمكن لمستثمرين كثر ومن ضمنهم الخليجيون، إيداع أموالهم وأصولهم من دون أن «يلعب» أحد بها سراً. لا بل نجد أن شركات قابضة، مثل «ديلتاليس» (Deltalis) و «سياغ» (Siag) و «سويس داتا سايف» (Swissdatasafe)، بنَت خزائنها المالية داخل ملاجئ محصنة مضادة للقنابل الذرية، في قلب جبال الألب! هكذا، يتمكن الزبائن من إيداع أموالهم ومجوهراتهم في شكل آمن، طبيعياً، داخل جبال الألب، من دون أن يلتفتوا إلى ما يحصل مع عمالقة المصارف السويسريين الذين يتخبطون، هنا وهناك، للحفاظ على تراث سويسرا المصرفي سالماً.