تعمل التشكيلية المغربية المقيمة في فرنسا نعيمة الملكاوي جاهدة للانتهاء من الأعمال التي ستقدمها في معرضها المقبل في سيفراك لو شاتو (جنوبفرنسا) في حزيران (يونيو) المقبل، والإعداد لمعرض آخر في قاعة غوستاف كوربي بمنطقة بالاباس التابعة لمدينة مونبولييه في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل. وكانت الملكاوي احتفلت أخيراً برسومها الصادرة في ديوان شعري لفتيحة النوحو في الرباط. وتدافع الملكاوي عن وجهة نظرها حيال الإبداع النسائي، مؤكدة أنه لا وجود لهذا النوع من الإبداع. وتقول: «يختفي جنس الإنسان في لحظات الإبداع حين تطغى روح الإبداع فقط على اللوحة، وهذه الروح لا تخص الرجل وحده أو المرأة وحدها، بل تشملهما معاً وتجمعهما لكون كل منهما يمثل الإنسان. والحقيقة هي أن العمل الفني هو روحاني في الأساس بعيداً من التعامل مع المادة التي تمثل الجسد وخصوصياته البيولوجية». وعن بداياتها التشكيلية توضح: «هي نفسها علاقة البدء التي ربطتني بالحياة، فككل الاطفال كان اللعب وسيلتي لاكتشاف الاشياء، فاتخذت من حبر الرصاص والاقلام الملونة أدوات لاختراق هذا المحيط الصاخب، والهرب منه في الوقت نفسه. فلم تكن ما تدركه حواسي الصغيرة جميلاً، كنت هادئة وأعيش في صمت مطبق، وكان الرسم سلاحي لأتحمل ضجيج العالم الخارجي». وعن علاقتها باللوحة تقول: «قد تأتيك مرة في ثوب عاشقة وأحياناً متمردة وقد تلبس لون الحداد والحزن، فيما قد تفاجئك بتفلّتها من الضوابط أحيانا أخرى». وتربطها بلوحاتها علاقة صداقة قوية، وغالباً ما تفتقد «الصديقات» اللواتي يغادرنها الى امكنة لا تعرفها، وتشعر بالقلق ويخامرها تعب السؤال: هل اللوحة بين أيدٍ آمنة وفي جدار آمن أم لا؟ هذا الاحساس الغامض والمربك ينتابها كلما باعت لوحة: «عندما تباع اللوحة يجتاحني احساس الفقد كما لو أنني فقدت عزيزاً، كم هو قاسٍ هذا الشعور وكان أقسى عندما كنت طفلة وتذوقت مرارة الفطام عندما تقدمت الى مباراة للرسم نظمها آنذاك التلفزيون الرسمي. طلب المنظمون منّي احضار بعض رسومي، فأحضرت بورتريهات لشعراء كالمتنبي وابو فراس الحمداني، وحين أخذت مني شعرت بطعم الفراق للمرة الأولى، ولم تداوني البطاقة التي منحت لي للمشاركة في البرنامج وفوزي به لاحقاً». عقدان من التجربة الفنية بالمغرب جعلا الملكاوي تستوفي شروط النضج الفني، مما عرفها على تجربة الضفة الأخرى، من دون الانصهار فيها وفقد الهوية الفنية الاولى. لكن الهجرة وفق الفنانة المغربية نحو ثقافة اخرى تنظر من زاوية اخرى إلى الفن التشكيلي أو التعبير، تغني التجربة وتفتح آفاقاً أوسع للوحة. وتقول: «التعامل مع فن العري مثلاً كاتجاه فني عندنا في الدول ذات الثقافة المحافظة يلاقي رفضاً ونقداً، في حين أن الغرب يتعامل معه على انه فن جميل وراقٍ». تنتمي الملكاوي الى مدرسة الحياة، ولا تحب القيود، لذلك عبرت بكثير من اللغات الفنية من الواقعية مروراً بالطبيعة الميتة ثم التجريدية الى السوريالية التي تريحها كثيراً، حتى وإن كانت تكسر بعضاً من قواعدها، وفق اللحظة. وهي ترى أن التشكيل تجاوز مفهوم المدارس المتعارف عليها كالتعبيرية والانطباعية والتجريدية والسوريالية، وان هناك حركية في المشهد التشكيلي المغربي، وإن كانت تبدو بطيئة في خضم الفوضى التي تعم المجال. وأكثر ما يزعجها، دخول بعض المتطفلين عالم التشكيل والنقد الفني، من دون امتلاكهم أي خلفية ثقافية أو فنية، ما يؤخر نهضة التشكيل في المغرب. وتسأل هنا: «لماذا لا تنتج معاهد الفن التشكيلي على قلتها نقاداً ودارسين بدلاً من أن نرى بعض متخرجها يتعاطون الرسم على رغم افتقارهم إلى الموهبة؟».