في خطاب «الإخوان» والقوى الإسلامية الأخرى سؤال يواجه المعترضين على الرئيس مرسي: «أنتم صبرتم على مبارك 30 سنة، فلماذا لا تصبرون على مرسي سنة واحدة؟». مبارك جاء في لحظة فارقة وأيضاً مفاجئة بعد اغتيال السادات، من أجل الاستقرار وغرس مفهوم نقل السلطة سلمياً، واتفقت مؤسسات الحكم وقتها على هذه الخطوة التي كرست وضع رئيس مكان رئيس. وعُرف مبارك لفترة طويلة ب «الرئيس الموظف»، وهو لم يحاول لسنوات زحزحة هذا الوصف. وفي زيارته الأولى لواشنطن رد بأنه حسني مبارك عندما سُئل عما إذا كان أقرب إلى جمال عبدالناصر أو أنور السادات. أما مرسي فجاء بعد ثورة شعبية أطاحت مبارك والمؤسسات القائمة فيما الشُرطة منهارة والجيش تثور الدعوات لإسقاط حكمه علناً في الشارع، والاقتصاد تم استنزافه في تجارب ما قبل انتخاب الرئيس. ولم يكن الرئيس ولا جماعته بعيدين من هذه التجارب، بل شاركوا في توجيهها في أحيان كثيرة من خلال تحريك الشارع نحو غايات بعينها. مبارك طُرح في استفتاء شعبي تحت عنوان الاستقرار واستكمال المسيرة، بينما مرسي طرح خصوصاً في انتخابات الحسم مع شفيق تحت تهديد إما هو أو حرق مصر. وجاء مبارك للحكم في ظل مؤسسات راسخة لم يقل قط إنه سيثوّرها ولم يخط لمسافة متر واحد لكي يطبّعها ببصمته أو ببصمة جماعته، لأنه ببساطة لم تكن له جماعة واعتمد كلياً على شخوص الحكم أنفسهم، بينما مرسي جاء ليحقق تطلعات ثورة لم يصنعها - إلا قليلاً - هو ولا شركاؤه في الحكم، ونسي أنه جاء ليحقق أهداف هذه الثورة تحديداً، فيما مبارك لم ينسَ أنه تولى منصبه ليشيع مناخ الاستقرار. واختار مبارك المصالحة الوطنية (أفرج عن المعتقلين السياسيين وبينهم مرشد الجماعة عمر التلمساني) والمصارحة (عقد مؤتمراً اقتصادياً وصارح الناس بنتائجه)، فيما اختار مرسي الخصومة الوطنية حتى مع من تحالفوا معه ودعموه في مواجهة خصمه اللدود أحمد شفيق، وخطوا بياناً لم يُنفِّذ منه حرفاً واحداً أذيع على الناس في لحظة حاسمة من الانتخابات. وبدلاً من مصارحة المصريين بالحقائق الاقتصادية والأمنية، تحدث عن أرقام جعلت معلقين يرون أنه يعيش في بلد آخر، وتصرف على أساس من اكتشف الثورة أو تنبأ بها بعد وقوعها، فصال وجال ضد القضاء، وفعل كل شيء لإبعاد من سلموه السلطة في المحكمة الدستورية العليا وفي قيادة الجيش، كما استمع إلى رموز القوى والأحزاب السياسية المدنية ليسير عكس ما سمع منهم تماماً إلى درجة باتوا يرفضون الجلوس معه مجدداً. وأخيراً، فإن في سكّ عبارة أن المصريين على رغم ذلك صبروا على مبارك 30 سنة مغالطة كبرى لأن الأحزاب السياسية المصرية، على رغم مساعي الحزب الوطني الحاكم لإضعافها، لم تكن صامتة وخصوصاً الوفد والتجمع والعمل، كما استمر «الإخوان» أنفسهم في العمل ضده وفي مواجهة سياسة تجفيف المنابع التي خطها الأمن ضدهم، وبدأت الجماعة الإسلامية، وبعد ضربات لحقتها على خلفية اغتيال السادات، تمارس مقاومة عنيفة استهدفت فيها السياحة لضرب مقومات دولة مبارك ومداخيلها الأساسية، وذلك في التسعينات، وهكذا إلى أن صدرت مبادرة وقف العنف. ولم يكن تأسيس حركة «كفاية» في نهاية 2004 أحد تجليات صبر المصريين وإنما من علامات ضجرهم، ما حرّك مبارك في بداية 2005 نحو تعديل الدستور لينتخب المصريون رئيسهم للمرة الأولى في التاريخ. ولأنها لم تكن خطوة كافية أو صادقة تماماً فإن الحراك السياسي استمر حتى إسقاط مبارك نفسه بعد استشراء الفساد في مفاصل الدولة وبيان الإصرار على التوريث، فيما لم يعد ضرورياً أن يمارس المصريون الصبر حيال أي رقم قد يحسب بالشهور أو السنين عندما تبدو الوسائل والسياسات خاطئة ومخالفة لما ثاروا من أجله، خصوصاً أن آخر هدف للثورة يمكن أن يفكر فيه أحد هو أن تكون الثورة قامت ليحل رئيس مكان رئيس. * صحافي مصري من أسرة «الحياة»