منذ تعيين شي جينبينغ رئيساً وأميناً عاماً للحزب الشيوعي الصيني تعددت التعليقات في منابر الصحف الصينية، حول مشكلة السلطة في الصين، ما يعكس القلق الكبير السائد. ودان مثقفون المركزية المفرطة للسلطة بين أيدي قلة من الأشخاص - من كوادر ومسؤولين وأصحاب شركات ورجال أعمال - يرتبط كل منهم بالآخر ضمن نظام سياسي هو نظام «الدولة - الحزب». إنهم أولئك الذين يعرفون كيف يستغلون «علاقاتهم» لزيادة نفوذهم وللتحكم بالثروة والمناصب. ورداً على مقالة رأي لليو شنغجون نشرها موقع «كايشين» في الخامس من آذار (مارس)، تمكنت كاتبة على الإنترنت من القول إن ثمة «أفراداً يصنعون القانون» وإن نظام القوانين التي يضعها الحزب الشيوعي لا يمثل أي حقيقة واقعية. تتسم الملاحظة هذه بأهمية خاصة لأنها تنزع النقاب عن دولة الحزب الشيوعي بصفتها مجتمعاً مصغراً يمتلك سلطة وضع القوانين، بالتالي ممارسة العنف بشرعية تامة. ويفسر ذلك الاعتباطية وانعدام العدالة السائدين اليوم في الصين والمفضيين الى إحباط السكان المقصيين، المحرومين من العلاقات مع أصحاب المواقع النافذة في الدولة - الحزب. لذلك، هؤلاء هم أول من يعاني. ويضم هؤلاء السكان الفلاحين والعمال وجزءاً من الطبقة المتوسطة. وما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» عن ثروة رئيس الوزراء السابق وين جيباو، مسألة حساسة ومحظور نشرها في الصين لأنها تكشف آلية العمل الحقيقية للنظام السياسي في مجتمع نخبوي، تنعدم فيه المساواة ويمضي على عكس المُثل الشيوعية. والنظام السياسي هذا ثمرة التقاليد الاجتماعية القديمة والعولمة معاً، ما يساهم في تركيب السلطات وتوسيعها وتعزيزها على قاعدة شبكات العلاقات. وبينما يظهر الاستياء على شبكة الإنترنت من إسراف الكوادر المستفيدين من سلطاتهم الزائدة وتجاوزاتهم، لم يكن مصادفة أن الرئيس والأمين العام للحزب شي جينبينغ الحريص على عدم تهديد سلطته الجديدة، دعا إلى الحد من الولائم، جاعلاً مكافحة الفساد مهمته الأولى. ويبرز التناقض في كون هذا النظام السياسي، الظالم إلى تلك الدرجة، ما زال صامداً وعاملاً لأن المجتمع بكليته وفي سبيل البقاء وتحصيل الثروة والارتقاء، يعتمد وعلى مستويات مختلفة، على المشاركة في توسيع دائرة «العلاقات» عبر توزيع الهدايا والخدمات. ولا يؤدي ذلك سوى إلى تعزيز نظام منحرف ومنافق، مفضياً إلى تعميق الهوة بين أصحاب الامتيازات الذين لا يقتصرون فقط على المسؤولين الحزبيين بل يشملون أيضاً الشريحة الأوفر مالاً في الطبقة المتوسطة – أصحاب الشركات، رجال الأعمال والمال - وبين المطرودين من النظام العاجزين عن تحمل أكلاف الحصول على الاعتراف والمرتبة الاجتماعيين. لكن الاحتجاج على السلطات الزائدة للنخب هو أيضاً طريقة يعبّر الصينيون بها عن تحديهم للنخب. في واقع الأمر، ألا تعني المشكلة الصينية في تمركز السلطات بيد أقلية من النخب التي تنبذ المثقفين، مشكلة عالمية تشمل كل الأنظمة، سواء كانت تسلطية أو ديموقراطية؟ ألا ينبغي التساؤل عن طبيعة السلطة ووظيفتها في سياق العولمة المالية؟ قد يكون صحيحاً أن مشكلة السلطة في الصين لم تنشأ اليوم بل في الماضي، في بدايات تشكل النظام السياسي عندما أعاد هذا النظام إنتاج نخبة صغيرة على الطريقة القديمة، رابطاً بينها وبين شبكات العلاقات. والمشكلة في السلطة واستطراداً مشكلة الامتيازات وانعدام العدالة الاجتماعية، تظهر اليوم ظهوراً جلياً بفضل توسيع العولمة والتكنولوجيا الحديثة مجالات التعبير عن الرأي. وفي العالم، يتصاعد الغضب حيال سلطات تمثلها أقلية تحظى بالامتيازات، وتمثل البرهان على الظلم. وتعاني الديموقراطيات من أزمة أيضاً. وعلينا إعادة النظر في مسألة الصلة بين النخب والسلطة ليس في الصين وحدها، بل بطريقة مقارنة تأخذ في الاعتبار حالة ما بعد الحداثة. * باحثة، عن «لو فيغارو» الفرنسية، 12/3/2013، إعداد حسام عيتاني