كان من الضروري أن يحزم الرئيس الأميركي باراك أوباما حقائبه ويتوجه إلى زيارة إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، كي يقفز ملف النزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الواجهة ويحظى بشيء من الانتباه، بعد أن غرق في قعر الاهتمامات خلال فصل «الربيع العربي» الطويل. غير أن هذه الزيارة محكومة بالفشل حتى قبل أن تبدأ غداً. فكل التوقعات مصحوبة بخيبة الأمل، ولا تشير إلى أكثر من جولة سياحية للرئيس الأميركي في «ربوع» القدس وتل أبيب ومدينتي رام الله وبيت لحم. فقد أعد بنيامين نتانياهو استقبالاً سيئاً لأوباما، بإسراعه إلى تشكيل حكومة جديدة ستكون وظيفتها الفعلية منع أي تقدم على طريق السلام، حتى لو خطر لأوباما أن يشد عضلاته ويعيد تذكير الإسرائيليين بأهمية الوصول إلى حل لنزاعهم مع الفلسطينيين على أساس الدولتين. صحيح أن الأحزاب الدينية المتشددة هي خارج الحكومة الجديدة، غير أن من هم داخلها، والذين يشكلون الثقل الأساسي فيها، مثل نفتالي بينيت، زعيم حزب «البيت اليهودي» أو حتى يائير لابيد الذي صعد نجمه كزعيم لحزب «ييش عتيد» (هناك مستقبل)، سوف يكفلون «الفيتو» ضد أي تقدم في عملية السلام، حتى لو أراد نتانياهو الإيحاء للأميركيين وللعالم أنه يعمل من أجل ذلك. برنامج بينيت الانتخابي كان قائماً على الدعوة إلى ضم 60 بالمئة من أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل، كما أنه يصرح علناً بأنه يستبعد قيام دولة فلسطينية «لمئتي سنة على الأقل». أما لابيد، وعلى عكس ما يبدو من خطابه غير المتشدد، ورغبته في وقف إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، فإن هاجسه الأساسي، كما أشارت حملته الانتخابية، هو «نسيان الأزمة مع الفلسطينيين» والالتفات إلى الداخل الإسرائيلي، وإجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية تلبي مطالب تظاهرات «الربيع الإسرائيلي» التي خرجت في شوارع تل أبيب وسائر المدن في صيف العام 2011، وكانت، للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية، خالية من أي إشارة إلى مأزق السلام أو إلى مستقبل علاقات إسرائيل مع محيطها العربي. وعلى عكس الأزمة مع الفلسطينيين التي يضعها الإسرائيليون في أسفل سلم أولوياتهم، تبرز الأزمة مع إيران بشأن برنامجها النووي في مقدمة هذه الاهتمامات. وهنا أيضاً لا يلتقي أوباما ونتانياهو على موقف واحد، على رغم أن اللغة التصعيدية حيال طهران تكاد تكون متقاربة. ففي حين لا يرى رئيس حكومة إسرائيل سوى حل عسكري لهذه الأزمة عن طريق ضرب المفاعلات الإيرانية، يكرر أوباما، كما فعل في مقابلته الأخيرة مع المحطة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، أن «كل الأوراق على الطاولة»، وذلك في محاولة للوقوف في الوسط بين رغبة إسرائيل وبين قرار الإدارة الأميركية باللجوء إلى الحلول الديبلوماسية لتسوية هذا النزاع، في غياب أي قرار من القيادة السياسية أو من البنتاغون باللجوء إلى الوسائل العسكرية. الجمود إذن هو سيد الموقف في العلاقات الإسرائيلية الأميركية، مثلما هو في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية. وهو جمود يستفيد منه الإسرائيليون، فيمضون في بناء المستوطنات بلا منازع، ويقيمون «أوضاعاً جديدة على الأرض»، كما يسمونها، لاعتقادهم أن من شأنها أن تقطع الطريق في المستقبل على أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية، بعد أن تكون معظم الأراضي التي ستقوم عليها هذه الدولة في الضفة الغربية قد اصبحت في أيدي المستوطنين اليهود، فضلاً عن التهويد المستمر في القدس، الذي يهدف في الأساس إلى إنهاء الحلم الفلسطيني في أن تكون القدسالشرقية عاصمة للدولة الموعودة.