أكدت تصريحات أركان الحكومة الإسرائيلية أمس تعقيباً على قرار الحكومة المصغرة للشؤون الأمنية والسياسية تعليق إصدار تصاريح بناء مساكن في مستوطنات الضفة الغربية، أن القرار موجه أساساً لنيل استحسان الولاياتالمتحدة وتحسين العلاقات الشخصية بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو والرئيس باراك أوباما. من جهتهم، استبعد سياسيون إسرائيليون من اليسار، ومعهم معلقون بارزون، أن «يقنع» القرار الإسرائيلي الرئيس محمود عباس (أبو مازن) بالعودة إلى طاولة المفاوضات. ورأى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان في حديث إذاعي أن «الكرة أصبحت الآن في الملعب الفلسطيني»، مضيفاً أن الحكومة الإسرائيلية الحالية قدمت منذ بدء ولايتها قبل ثمانية أشهر بادرات حسن نية للفلسطينيين أكثر من أي حكومة سابقة «غير أنها لم تلق في المقابل إلا الشتائم والمناورات السياسية». وتعقيباً على الموقف الفلسطيني من قرار الحكومة الإسرائيلية، قال ليبرمان بصريح العبارة: «آخر شيء يجب أن يعنينا الآن هو مخاوف الفلسطينيين». وأضاف: «قبل الموضوع الفلسطيني، ما يجب أن يهمنا هو المستوطنون في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وأصدقاؤنا في العالم... تحدثنا معهم (الأصدقاء) ومعظمهم قال لنا: ساعدونا لنساعدكم». وكرر أقوال رئيس حكومته بأنه بعد انتهاء الأشهر العشرة من تعليق البناء «ستستأنف إسرائيل البناء هناك على غرار ما قامت به في الماضي». وناشد وزير الدفاع ايهود باراك المستوطنين أن ينظروا في قرار التعليق الجزئي والموقت للبناء «في سياق الحفاظ على علاقات إسرائيل الجيدة مع الولاياتالمتحدة»، مضيفاً أنه يتحتم على إسرائيل أن تحافظ على تفوقها العسكري في المنطقة، في إشارة إلى أهمية الدعم الأميركي لإسرائيل في الملف النووي الإيراني. وكان وزير الشؤون الاستراتيجية المتشدد موشي يعالون سوّغ هو أيضاً تأييده قرار الحكومة المصغرة بالإشارة أيضاً إلى أهمية وجوب أن تتفادى الحكومة الإسرائيلية مواجهة «مع أصدقائنا في العالم». وعليه اعتبر القرار «مناورة سياسية»، مؤكداً أن التجميد ليس تاماً، وأن أعمال البناء ستتواصل في آلاف المساكنالجديدة. وشدد وزير الدولة وأشد وزراء «ليكود» تطرفاً بيني بيغين على أن «الحكومة المصغرة لم تتخذ قراراً في شأن تجميد البناء في يهودا والسامرة ولا حتى في الشهور العشرة المقبلة... إنما تم فرض قيود على التصديق على أعمال بناء جديدة». وأضاف: «خلال الشهور العشرة المقبلة سيتم بناء آلاف الشقق في السامرة ويهودا، وسيتم بناء مبان عامة، وفي نهاية هذه الفترة ستستأنف حكومة إسرائيل أعمال البناء هناك». وسيطرح نتانياهو قرار حكومته المصغرة على الهيئة الموسعة للحكومة في اجتماعها الأسبوعي الأحد المقبل، وسط توقعات بأن ينال تأييد غالبية أعضائها. وأعلن رئيس حزب «شاس» الديني الشرقي المتزمت نائب رئيس الحكومة ايلي يشاي أن حركته «لن تفتعل أزمة ائتلافية بسبب هذا القرار». كما أعلن رئيس حزب «البيت اليهودي» الأكثر تطرفاً في الحكومة أن حزبه (3 نواب) لن ينسحب من الحكومة «على رغم انه ينادي بضرورة استمرار البناء في المستوطنات». من جهته، قال النائب اليساري السابق يوسي بيلين إن قرار الحكومة الإسرائيلية كما أذيع «يشكل ضربة مميتة لرئيس السلطة الفلسطينية»، مضيفاً ان توصيف القرار بأنه «بادرة طيبة تجاه عباس» هو «نكتة... لأن ما حصل هو ترتيب اتفاق بين إسرائيل والولاياتالمتحدة من وراء ظهر الفلسطينيين يمس برئيس السلطة». وتابع أن «ترحيب واشنطن بالقرار يقول عملياً إن الولاياتالمتحدة تضفي في شكل غير مباشر الشرعية على البناء في القدسالشرقية (المحتلة) وهو ما لا يمكن لعباس أن يقبل به أبداً». وزاد ان إعلان نتانياهو يؤشر عملياً إلى أن الجمود السياسي سيتواصل، «وأنا لا أستوعب كيف بلغ الأميركيون هذا الحد من الغباء... هم الذين رفعوا الفلسطينيين إلى أعالي الشجرة بوضعهم تجميد البناء شرطاً لاستئناف المفاوضات، ثم تنازلوا عن هذا الشرط». واشنطن تطالب باطلاق ألف أسير وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في عنوانها الرئيس أمس أن الإدارة الأميركية طالبت نتانياهو بالقيام ب «لفتات طيبة» تجاه «أبو مازن» بهدف تعزيز مكانته. وقالت إن واشنطن طالبت بنقل مناطق (فلسطينية محتلة) في غور الأردن إلى السلطة والسماح لقوات الأمن التابعة للرئاسة الفلسطينية بدخول مناطق أخرى في المنطقة المعروفة «ب» الخاضعة أمنياً لجيش الاحتلال ومدنياً للسلطة الفلسطينية، لكن نتانياهو رد بالسلب على الطلبين بداعي أنه يريد مقابلاً فلسطينياً على هذه التنازلات. وأضافت الصحيفة أن واشنطن أبلغت إسرائيل أنها تتوقع اطلاق ألف أسير فلسطيني، بالإضافة الى الأسرى الذين سيطلقون في إطار صفقة التبادل مع حركة «حماس»، بداعي تعزيز مكانة عباس «في مقابل الاحتفالات التي ستقوم بها حماس مع إطلاق مئات الأسرى (عند الإفراج عن الجندي غلعاد شاليت)». وبحسب الصحيفة أيضاً، فإن واشنطن وتل أبيب اتفقتا أيضاً على أنه مع استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، يجب التمحور بداية في ترسيم الحدود لأن من شأن ذلك أن يوضح نهائياً حدود إسرائيل (التي ستضم الكتل الاستيطانية الكبرى في إطار مقايضة أراضٍ) ويحل مشكلة الاستيطان نهائياً. واستبعد كبار المعلقين أن يثمر إعلان الحكومة الإسرائيلية انفراجة، وكتب المعلق السياسي في «يديعوت أحرونوت» شمعون شيفر إن إعلان نتانياهو لم يأت بجديد «إذ سيتواصل بناء آلاف الوحدات السكنية في الضفة الغربية التي بدأ بناؤها، وسيتواصل بناء المؤسسات العامة الجديدة، كذلك يتواصل البناء في كل القدس، وعليه ما العجب في أن يكون الوزير بيني بيغين مؤيداً متحمساً لمثل هذا التجميد أو ما يبدو كأنه تجميد». التجاوب الإسرائيلي و«نوبل» أوباما في هذا السياق، لفت معلقون إلى أن إسرائيل تجاوبت مع الطلب الأميركي إعلان تعليق موقت للبناء لتمكين الرئيس الأميركي من الادعاء بأنه نجح في تحريك الملف الفلسطيني الإسرائيلي قبل تسلمه جائزة «نوبل» للسلام في العاشر من الشهر المقبل. وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق غيورا آيلاند لموقع «يديعوت أحرونوت» على الانترنت إن من الواضح أن قرار الحكومة المصغرة جاء بناء على طلب أميركي للقيام ببادرات حسن نية تجاه عباس «لكن برأيي أن القرار يشكل بادرة طيبة تجاه الأميركيين وليس تجاه أبو مازن».