عادت المرأة المصرية لتتصدر بؤرة الأحداث في غير موسمها الذي باتت مواعيده معروفة في عصر «النهضة»، على رغم أنه ليس وقت انتخابات تتكالب فيه القوى السياسية على استقطاب النساء بين فقيرات يرضخن لضغوط الشاي والسكر والزيت، وثريات يهرعن إلى الطوابير بحثاً عن بديل لنظام يسعى إلى تكبيلهن وحبسهن والإطباق على رقابهن، ومتوسطات حال متأرجحات بين هذا وذاك. اختيار المرأة من قبل بعضهم باعتبارها الحلقة الأضعف في المشهد السياسي والأسرع تأثيراً في حال سحلها أو ضربها أو تعريتها أو اغتصابها يطل على المصريين بين الحين والآخر ب «لوك» مختلف، فبعد «كشوف عذرية» لمتظاهرات ميدان التحرير، وسحل وضرب عند البرلمان، وتشكيك في سمعة وتنديد بمشاركة في المليونيات، ومنها إلى اغتصاب وانتهاك للناشطات، وفتاوى ودعوات إلى اغتصاب الكافرات النازلات إلى الشارع ضاربات عرض الحائط بالصندوق الذي أتى برئيس مختار من قبل قوى السماء، وقليل من إخراس الأفواه لمن هتفت بسقوط الرئيس، جاء ال «لوك» الأحدث وهو «لكمة ولطمة» جزاء من تشكك في شرعية «الإخوان المسلمين». شرعية «الإخوان» المكتسبة من الصندوق الذي يغازل نساء مصر في مواسم الانتخابات ويكتسب مسحة أنثوية لا ريب فيها تأتي بشرعية تعتنق مذهب الاحتكام إلى الصناديق باتت على المحك، وهو المحك الذي ازداد حكاً باللطمة القوية التي وجهها أحد شباب «الإخوان» إلى وجه الناشطة مرفت موسى أمام مكتب إرشاد جماعته في المقطم. فالجماعة التي «تحمل الخير لمصر» لم يتوان شبابها في تطبيق مبدأ المساواة بين الجنسين، وهو المبدأ الذي هز أركان الجماعة ورجرج مكاتب رموز ذراعها السياسية حزب «الحرية والعدالة» حين طرحته الوثيقة الأممية الجدلية المعنونة «إلغاء ومنع كل أشكال العنف ضد النساء والفتيات». الجدل الذي تفجر على وقع الوثيقة غضباً وتنديداً من قبل الأطراف المحسوبة على النظام الحاكم وترحيباً وتأييداً من قبل القوى المدنية الليبرالية التي تؤمن بأن المرأة كائن بشري يتمتع بعقل قادر على التفكير والعمل واتخاذ القرار، هو نفسه الذي تفجر غضباً باللطمة «الإخوانية» على وجه المرأة المصرية أمام مكتب الإرشاد. رعب الإسلاميين من توقيع مصر على الوثيقة عكسه بيان أصدرته الجماعة التي لم تر في الوثيقة إلا «حرية جنسية»، و «حبوب منع حمل للمراهقات»، و «شذوذ»، و «مساواة الزانية بالزوجة»، و «سماح بالتحدث عن اغتصاب الزوج لزوجته» وغيرها من الشؤون الجنسية التي اعتبرتها الجماعة «الوسائل الهادمة لمؤسسة الأسرة والمدمرة لكيان المجتمع، والداعية للعودة إلى الجاهلية الأولى». هذه النظرة الجنسية إلى الوثيقة أكدها وكيل لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشورى النائب «الإخواني» عز الدين الكومي الذي انتقد الوثيقة لأنها «انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، خصوصاً في البلاد الإسلامية، إذ أجازت الإجهاض والزواج المثلي والارتباط بأي جنس وغيرها من الأمور التي تتنافى مع الأخلاق في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة». وعلى رغم أن «مجتمعاتنا الشرقية المحافظة» لم تعهد من قبل إقبال الشباب المتدين على لطم النساء أو طرحهن أرضاً حفاظاً على «الدعوة» أو ترحيباً من قبل الأخوة والأخوات بتكميم فم سيدة سبعينية جرؤت على التعبير عن رأيها في مسيرة سلمية (الناشطة شاهند مقلد التي أخرس أحد شباب «الإخوان» فمها أمام قصر الاتحادية)، أو أوركسترا تعزف معزوفة «إيه إللي نزلها التحرير؟!» تنديداً بنزول المرأة المحترمة من بيتها، إلى آخر القائمة المعتادة من تبجيل المرأة وتكريمها في الأشهر القليلة الماضية، والمتوقع استمرارها في الأشهر القليلة المقبلة، إلا أن رد الفعل الشعبي تجاه جهود «تكريم المرأة» الجارية رحاها هذه الآونة مختلفة ومتناقضة. فمن مصريين نددوا باللطمة وشجبوا الوقعة وتعجبوا من الرهبة تجاه جهود حماية المرأة من العنف إلى محبين للجماعة شحذوا هممهم الإلكترونية وأججوا جهودهم العنكبوتية وصبوا نيراناً حامية على الملطومة ومن يتباكون عليها. ومن مروج لأنها أتت بتصرفات تخدش الحياء حين خسر الفريق أحمد شفيق انتخابات الرئاسة ناعتين إياها تارة ب «ست البنات التي ضربت وانضربت من أحد شباب الإخوان» وتارة أخرى ب «البلطجية» وثالثة ب «الفلول»، إلى موجهين سبابهم الإلكتروني إلى «الإعلام الداعر» الذي «سيطبل ويزمر للواقعة التي قد تكون مختلقة» على رغم أنها مسجلة بالصوت والصورة، إلى التساؤل الكلاسيكي البريء ظاهراً: «ايه اللي وداها مكتب الإرشاد وطلعها المقطم؟». التي ذهبت إلى مكتب الإرشاد ولطمها وطرحها أرضاً مدافع عن مكتب الإرشاد، وهي إحدى الوجوه المعروفة في «ثورة يناير» والمشاركة في مسيرات وتظاهرات في محافظات مصر المختلفة، كتبت على صفحتها على «فايسبوك»: «أنا كمرفت اتبسطت والحمد لله اني شفت الخوف في عينهم، وعلشان كده القلم جه بقوة الخوف اللي جواه». ويبدو أن حسابات الخوف تسيطر على الكثير من الأذهان حالياً، فالخوف من وثيقة تحمي المرأة من العنف يعني تقنين العنف، والخوف من ناشطة سياسية تهتف معارضة فيكون عقابها الصفع تحت مسمع ومرأى من المقربين من دوائر الحكم، إنما هو «لوك» جديد وفريد من تبجيل المرأة في عصر «النهضة».