قائمة الإنجازات المصرية في «يوم المرأة» العالمي طويلة هذه المرة! إنها أكبر من أن تُحصَر. ببساطة شديدة، هي تشمل الوجود في الحياة وخوض غمارها يومياً والنظرة والتقويم والأداء والإبداع والابتكار والنضال والمقاومة، وأخيراً الثورة... والعورة. ولأن اللائحة في 2013 خرجت من نطاق بضعة قوانين تضاف إلى الرصيد الحقوقي للمرأة، أو حفنة قاضيات أو عميدات أو نائبات يخترقن حاجزاً ذكورياً جديداً، أو حتى مجموعة نساء يرفعن سقف المطالب بكسر المحرّم في الحديث عن اغتصاب الزوجات أو زنا المحارم أو إخراس المعنفات، فإن بزوغ رموز بعينها، بغية التكريم أو التبجيل أو الاحتفاء، لم يكن وارداً. فهذا العام، لم تقف السيدة الأولى لاختزال أكثر من 40 مليون امرأة مصرية في شخصها لمجرد أنها «حرم الرئيس». ولم تصفق الجماهير لثلة من النساء اللواتي ساهمن في صياغة دستور لا مكان للمرأة فيه. ولم تكرّم سيدة قهرت ظلماً أو قاومت طغياناً أو أنجزت حلماً. فكل نساء مصر صرن مجندات في حرب القهر ومقاومات لسيادة الطغيان ومحلقات في آفاق الحلم. فبعد إجهاض حلم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وبعدما ظنت المرأة المصرية أنها ستحاول تكوين جنين ثوري مكتمل لا يتعرض لما تعرض له نظيره السابق، وجدت المصريات أنفسهن مدفوعات إلى خارج ميادين الثورة، تارة بتبجيل المرأة من خلال مطالبتها بالتزام بيتها، وتارة بتوبيخها إن هي نزلت وسحلت، وضربت بالسؤال الاستنكاري الأشهر «إيه إللي نزلها التحرير؟». أم حسين قابعة في سوق الخضار تنتظر يوماً، بات قريباً، يجوع فيه أولادها. والموظفة سعاد تتابع نشرة الأخبار قبل خروجها من المنزل، لترصد أماكن الرشق بالطوب والضرب بالمولوتوف والترهيب بغياب الأمن كي تتجنب المرور فيها. والناشطة الثورية هانيا ترسم خطط مواجهة التحرش وتحدد سبل توقيف المتحرش، بعدما اتسع مجال الاغتصاب وهتك العرض ليصبحا وسيلة مبتكرة للتحرش السياسي. هذا العام تقف كل نساء مصر على منصة التكريم، وذلك بعد عودة بعضهن من مسيراتهن ووقفاتهن وتظاهراتهن، وانتهاء البعض الآخر من صراعاتهن اليومية، من أجل البقاء ولقمة العيش. مجموعة العائدات من مسيرة «نساء مع الثورة» بُحّت أصواتهن لفرط الهتاف: «أوعي تخافي يا بهية، مش هنفرط في الحرية». والمشاركات في فعالية دار الأوبرا «المرأة تساوي حياة» عدن ضاربات كفاً بكف، فكيف يوصفن بالعورة وهن قادرات على العمل والإنتاج والإبداع والتغيير، ولسان حالهن يقول: «أنا مش عورة، على أكتافي قامت ثورة»! الأكتاف النسائية المصرية، التي ضغطت عليها أنظمة مستبدة حيناً، فشلت في تحقيق إنجازات على صعيد حق المرأة في تقلد المناصب وقدرتها على العمل والإنتاج، شأنها شأن الرجل. كما فشلت في فتح الباب أمام المزيد من الحقوق. وهكذا، ولت أيام سابقة للمرأة كانت أجهزة الدولة تسخّر مواردها وطاقاتها للتغني بإنجازات السيدة الأولى في مجال الحقوق والحريات. وخمدت أصوات الجمعيات النسوية التي كانت تحلق في فضاءات بعيدة من واقع المرأة المصرية التي لم يصل إليها أحد. ففيما تُحرم الطفلة في الصعيد من أن تطأ قدماها أرض المدرسة، فيجري تزويجها وهي في سن الثانية عشرة بغية «سترها» وإيجاد من يطعمها لتخفيف العبء عن الأب، تخضع أخريات لعروض الصيف المغرية لزواج الصغيرات من شيوخ في عمر الأجداد، وتضرب زوجات في البيوت لتأديبهن أو لتفرغ شحنة غضب الأزواج وعقدهم. وولت كذلك أيام احتفالات المجالس والهيئات الحكومية بإنجازات السيدة الأولى وحرم الوزير وقرينة وكيل الوزارة، التي لا تعرف عنها المرأة المصرية شيئاً إلا من خلال متابعة نشرة الأخبار التي تنقل خبر الاحتفال في اليوم العالمي للمرأة أو يوم المرأة المصرية. واقع الحال في مصر في يوم «المرأة العالمي»، وكذلك في يوم المرأة المصرية (16 آذار- مارس)، يؤكد أنه للمرة الأولى خلال العقود الثلاثة الأخيرة لا تُكرّم سيدة ما لإنجاز ما ولا يُحتفل بقرينة شخص ما لغرض ما. لكن تقف كل نساء مصر، باختلاف فئاتهن وانتماءاتهن، ليرفعن الصوت عالياً بأنهن سيدات الموقف. فالهجوم الشرس للتيارات الإسلامية الحاكمة على النساء والفتيات، من باب «تكريم المرأة إقصاؤها» وتبجيلها يكمن في تغييبها، وتنامي ثقافة العنف الشارعي تجاه المرأة، جسدياً أو لفظياً أو معنوياً، باعتبارها الطرف الأضعف الأكثر قدرة على لعب دور «إسفنجة امتصاص» غضب الغاضبين... كلها أمور جعلت المرأة المصرية العادية بطلة في يوم المرأة العالمي.