يقال إن أضمن الطرق لتبديد المال هي القمار والنساء والخمر، والقمار الأسرع، والنساء الأفضل، والخمر الأقبح. توقعت شيئاً مما سبق وأنا أتابع استطلاعاً لجريدة إلكترونية أميركية سألت فيه قراءها عن طرق تبديد المال، واختارت تسعة طرق خلت جميعاً من القمار والنساء والخمر. ولعلي لم أقدر حجم الأزمة المالية التي تعصف بالولايات المتحدة، وأنا أفكر في سبل قديمة مضمونة لخسارة المال، فيما الأميركي يفكر في لقمة العيش وهو يرى أن الأسعار لا تزال ترتفع رغم الأزمة، فلا شيء ينزل سوى المطر. الأميركيون اختاروا في المرتبة الأولى الماء المعبأ في زجاجات، وهم مصيبون لأن ماء الحنفية (الصنبور) نظيف، وقد قرأت في لندن أنه أفضل من ماء الزجاجة. وحلّ ثانياً المشروبات المنشطة، أي تلك التي يدعي المنتج أنها تحتوي على فيتامينات. وجاءت القهوة في المرتبة الثالثة، والشكوى أن الفنجان منها أصبح يكلف خمسة دولارات أو أكثر. وحل البنزين «السوبر» رابعاً والقراء يؤكدون أنه ليس أفضل من البنزين العادي، وإنما أغلى، وخامساً تغيير زيت السيارة كل ثلاثة آلاف ميل كما تنصح الشركات المنتجة لأن تغيير الزيت كل ستة آلاف ميل أو سبعة آلاف يعطي النتيجة نفسها. كدت أفقد ثقتي بالقائمة كلها وأنا أبحث عن الأسباب المتعارف عليها لتبديد المال، غير أن المرتبة السادسة أعادت إليّ بعض الثقة بالجريدة وقرائها فقد احتلتها السجاير وضررها لا يحتاج إلى شرح. وحلّ سابعاً بضائع الشركات المشهورة لأنها غالية لمجرد الاسم، وثامناً حفلات أعياد ميلاد الأطفال لأنهم لا يفهمونها وتزعجهم فلا يبقى سوى الكلفة، وتاسعاً تناول الطعام في مطعم خلال ساعة الغداء التي تُعطى للموظفين. إذا كنت سأبحث عن طريقة لتبديد المال فلن تكون على شيء مما سبق، أو على القمار والخمر اللذين أكرههما، وإنما أفضل النسوان الحلوين لولا إنني متزوج وجبان. للعربي أسرع طريقة لتبديد المال هي الاستثمار في بلاده. ولعل الاستطلاع كله غير لائق فهو يركز على المال مع أن الفلوس ليست كل شيء في الدنيا، فدفتر الشيكات والكريدت كارد مثلها أو أحسن. طبعاً يستطيع الإنسان أن ينفق ماله من دون أن يخرج من البيت لأن مصلحة الضرائب لن تنساه أبداً. وكان أميركي شكا من أن مصلحة الضرائب أخذت منه كل ما يملك وتركت له حماته. وهذا يذكرني بامرأة لو كانت ثروتها في وجهها لما دفعت ضرائب في حياتها. طبعاً أنت لا تستطيع تبديد الفلوس إلا إذا كنت جمعت منها ما يمكن تبديده. وجريدة «الفاينانشال تايمز» يضم عدد السبت منها ملحقاً فخماً فيه تحقيقات عن أغلى الحاجات مع إعلانات مرافقة لمجوهرات وسيارات فخمة ويخوت ورحلات في طائرات خاصة. أستطيع أن أزايد على الملحق كله في إنفاق الفلوس لولا مشكلة بسيطة هي الحصول على الفلوس ليصبح بالإمكان تبديدها، وعندي في هذا المجال مشكلة كبيرة، ولن أدعي الأخلاق الحميدة أو التديّن، وإنما أقول إنني جبان ولا أستطيع بالتالي أن أحصل على مال بغير الطرق الشرعية ما يعني أن توصد معظم الأبواب في وجهي. وكان رجل يشهد لصديق له في محكمة وسأله القاضي عن مدى معرفته بالمتهم فقال: 20 سنة. وسأله القاضي هل صديقه من النوع الذي يسرق، وسأل الشاهد بدوره: كم المبلغ موضوع القضية. هذا بمعنى المثل الشعبي «إذا سرقت اسرق جمل (جملاً)» فمن السخف أن يمارس إنسان اللصوصية لسرقة ثمن فنجان قهوة أو قنينة ماء. وأريد وقد قتلنا موضوع تبديد الفلوس بحثاً أن أقلب الفكرة على رأسها وأسأل ما هي أسرع طريقة لجمع الفلوس؟ العمل الشريف ليس واحداً منها. أسرع طريقة للثراء أن يرث الإنسان، ومثلها أن يربح «اللوتو» في أوروبا، أو يرفع قضية قدح وذم في بريطانيا. وإذا كان طالب الثراء عربياً فهناك أبواب مفتوحة له، مثل أن يكون تاجر سلاح أو رقيق أبيض، أو أن يعرف الوزير أو يتزوج بنته، بعد أن أغلق في وجهه باب أن يعمل متعاقداً مع الجيش الأميركي في العراق أو أفغانستان. أما وقد تناولت الموضوع ذهاباً وإياباً فإنني أختتم بشيء يحيرني هو أن الزواج شراكة، ونعرف أن الزوج شريك صامت، ونعرف أيضاً أن السكوت من ذهب، فلماذا لا يثري الرجل من الزواج بدل أن يفتقر؟ أنتظر جواباً من القراء. [email protected]