أكد وزير الداخلية المغربي محند العنصر في حوار مع «الحياة»، أمس، أن علاقات بلاده مع الدول الخليجية وخصوصاً السعودية، علاقات تاريخية تتجاوز الدعم المادي، فيما وصف علاقات بلاده مع جيرانه من الدول المغاربية بال«عادية». وقسّم الوزير الحركات السلفية الموجودة على التراب المغربي بأنها سلفيات، مضيفاً «أن عنصر المفاجأة كان حاضراً في توقيت الحراك العربي، وليس في وقوعه، وهذا ما اعترفت به جميع الجهات المتتبعة في الدول الكبرى». وأكد أن ما يميز اجتماعات وزراء الداخلية العرب عن غيرها، أنها تشرف على قطاع ذي حساسية خاصة، وبالتالي فإن البعض ينظر إليها نظرة خاصة، مضيفاً أن بلاده كأية دولة تعيش في محيط يعرف اضطرابات أمنية وحراكات اجتماعية وقلة الموارد، لها تحديات متوازية ومرابطة، تتمثل في الحرص على الأمن الداخلي والإقليمي. إلى نصّ الحوار: المساعدات السعودية والخليجية للمغرب كيف رُؤاها لدى المسؤول والمواطن المغربي؟ - العلاقات السعودية - المغربية تاريخية، وتستند على أسس قوية ومتينة، ولا أدل على ذلك من النجاح الكبير للزيارة الأخيرة للملك محمد السادس، إذ لقيت المشاريع الكبرى التي تمّ درسها أثناء الزيارة كل الدعم من الطرف السعودي والخليجي، وهي مشاريع مهمة للطرفين، وتساهم في الدينامكية الاقتصادية التي تعرفها المملكة المغربية، وبالتالي تحسين الظروف المعيشية للمواطن وتخفيف من حدة البطالة. ولا شك أن المواطن المغربي يعي أهمية ذلك، ويقدر الدور السعودي والخليجي في هذا الإطار، ويجب أن نذكر أن تلك المشاعر الأخوية لها دوافع أخرى تفوق التعاون المادي. وهل هي علاقة استراتيجية بين الطرفين؟ - كما أسلفت هي علاقة متينة، ولم تعرف أي ركود، بل على العكس من ذلك من حسن إلى الأحسن، بفضل علاقات تاريخية جمعت بين قيادات البلدين، هذا التقارب أثمر تقارباً في وجهات النظر حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتنسيقاً في الملتقيات الدولية. وهل العمل العربي الأمني كما هو قبل الثورات أم أنها تغيرت بعد هذه المرحلة المفصلية؟ - العمل الأمني البيني بين الدول لا يتدخل عادة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، والتنسيق يتمّ مع الأجهزة الشرعية للبلدان الأعضاء، من دون التدخل في الاختيارات الشعبية التي تعتبر شأناً محلياً لا بد من احترامه، وبالتالي فإن التنسيق والعمل المشترك ظلّ متواصلاً بالوتيرة نفسها. كانت دائماً تحديات مشتركة واتفاقات ليس أمام أية دولة إلا احترامها والعمل على أساسها، ولم تتنصل أية دولة منها، بل إن الأطراف كلها التي وصلت إلى تسيير الشأن العام في البلدان التى عرفت حراكاً اجتماعياً، حرصت على تأكيدها والتزامها بتلك الاتفاقات، وحرصها على تطويرها وتكريسها على أرض الواقع. قيام الثورات العربية، هل تُحسب مفاجأة أم فشلاً للأجهزة الأمنية العربية؟ - العمل السياسي والأمني مبني بالأساس على التتبع والتقدير لكل الاحتمالات والمعرفة الدقيقة بالشعوب والمجتمعات، وأعتقد أن عنصر المفاجأة كان حاضراً في توقيت الحراك العربي وليس في وقوعه، وهذا ما اعترفت به جميع الجهات المتتبعة في الدول الكبرى. هل تشعرون بأنها ألقت بظلالها على الدورة الحالية لاجتماع وزراء الداخلية العرب؟ - من المؤكد أن ما تعيشه بلدان عربية عدة من اللااستقرار سيكون حاضراً، لأنه مرتبط بالأمن، إضافة إلى جدول الأعمال الذي يكرّس الاستمرارية من خلال العمل على تقويم وتجويد الاتفاقات المبرمة. كيف هو الوضع الأمني في المغرب لديكم بعد 2011؟ - بشهادة التقارير الدولية، التي تعتمد على تحاليل توقعية للأمن، يُعد المغرب حالياً الوجهة الأكثر أمناً في المنطقة، وذلك نتاج للتحول الذي عرفه المغرب منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، الذي كرّس «مسلسلاً متطوراً من التحولات» ترسّخ مع مرّ السنين، لأن الأمن إذا لم يكن مدعوماً بإصلاحات سياسية تستجيب لتطلعات الشعب لا يمكنه أن يستقر. لكن ذلك لا يعني تماماً أننا محصنون عن المخاطر التي يعرفها محيطنا الإقليمي، لكننا واعون بالتحديات التي تواجهنا ونعمل على تحسين أوضاعنا للأفضل. وما هي أبرز الصعوبات التي تواجهونها في داخل المملكة المغربية؟ - كأية دولة تعيش في محيط يعرف اضطرابات أمنية، وحراكات اجتماعية، وقلة الموارد، هناك كما قلت تحديات متوازية ومرابطة، تتمثل في الحرص على الأمن الداخلي والإقليمي، والاستمرار في الديناميكية الاقتصادية، لما لها من دور في تحسين ظروف العيش الكريم للمواطن، وترسيخ دولة المؤسسات التي تضمن الكرامة للإنسان وتضمن الاستقرار والتنمية المستدامة تأثيرات الانفلات الأمني في بعض دول جيرانكم، مثل تونس وليبيا، أليس لها تأثير في الوضع المغربي الداخلي؟ - نحن منذ البداية، كنا واعين بالتأثيرات التي قد تنتج من هذا الحراك في دول الجوار، وبالتالي تعاملنا معها بما يلزم، وكنا حريصين على عدم الخلط بين ما هو مطلب شعبي وما هو محاولة لتقويض الدول، ولله الحمد كان الموقف المغربي من هذا الحراك موقف تقدير من جميع الإطراف في هذه البلدان، والتنسيق الآن قائم مع هذه الدول ونعرض تجاربنا للمساعدة وتجاوز الصعوبات. هل من خطر للمجموعات السلفية الموجودة على التراب المغربي؟ - السلفية، سلفيات، أظن بأن المشكل الحقيقي الذي يواجه كل البلدان اليوم، يمثل في تلك الجماعات التي تتبنى العنف منهجاً للتغيير، وهناك جماعات، ليست سلفية فقط، تتبنى هذا النهج، مثل مجموعات أخرى لها فهم خاطئ للدين والتعايش. المغرب اليوم منفتح على الآراء كلها، ويعرف تعددية حقيقية، وليس هناك أية قيود على العمل السياسي أو الفكري المتطابق مع القوانين الجاري بها العمل والأخيرة تستجيب للمعايير الدولية بشهادة المنظمات الدولية، مع الحرص على عدم التفريط في خصوصيتنا المغربية، وبالتالي فإننا نواجه كل من يدعو إلى العنف بالوسائل القانونية، ولنا تجربتنا في حماية مجتمعنا من هذه الظواهر. هذه المظاهرات التي تقوم بين فترة وأخرى في المغرب، هل هي بذات التأثير أم أنها من لوازم الديموقراطية؟ - منذ أعوام، والمغرب يعرف حراكاً اجتماعياً، له مطالب بتحسين الوضعية الاجتماعية والرفع من الأجور، وهو أمر نعتبره طبيعياً في ظل ما تسمح به القوانين وحريات العمل النقابي، وهناك جهود كبيرة من الحكومة لحل هذه المشكلات بما تسمح به الموارد المتوفرة. وهذه التجربة مكنتنا من التعامل السلمي مع بعض التظاهرات التي كانت لها مطالب أخرى، سياسية أم حتى استفزازية. البطالة في المملكة، ألا تؤثر في العمل المغربي الأمني؟ - من الأكيد بأن لهذه المعضلة، التي يشترك فيها المغرب مع العديد من بلدان العالم، دوراً في عدد من الجرائم التي يعرفها المجتمع، ما جعلنا نطالب بعدم الاعتماد فقط على المقاربة الأمنية على رغم أهميتها، لمعالجة انتشار بعض الظواهر المنحرفة في المغرب، باتخاذ إجراءات مصاحبة في عدد من المجالات تستهدف محاربة الهشاشة والفقر. تراجع الحديث عن الهجرة غير المشروعة من المغرب إلى إسبانيا، ما الذي جعله متأخراً هكذا؟ - تراجع الحديث عن هذا الموضوع له أسباب عدة، منها نجاعة الجهود الكبيرة التي قام بها المغرب، وما عرفه المغرب من تطور اقتصادي واجتماعي وسياسي خلال الأعوام الماضية، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعرفها أوروبا، لكن على رغم ذلك، أصبح المغرب مفضلاً للمهاجرين القادمين من أفريقيا ما وراء الصحراء، ليس كبلد مرور كما كان، بل مستقراً، وهذا يطرح علينا تحديات عدة. هل لا زالت ذات أولوية أم أنها اختفت خلف الهمّ الداخلي؟ - القضايا كلها تبقى لها أهميتها، لكن لأية مرحلة أولوياتها الراهنة، وملف الهجرة الغير المشروعة يظل حاضراً في النقاشات والحوارات المشتركة كلها مع جيراننا الأوربيين والمغاربيين، فهو ملف مرتبط بقضايا عدة. هل انتقل إليكم جزء من المشاكل التي تعاني منها مالي في الفترة الأخيرة؟ - لا، الحمد لله، ولكن يبقى الحذر سائداً، لأن هناك مجموعة من الشباب المغربي تحاول المجموعات المتطرفة جلبهم للقتال في المال، وليس هناك انزياح لبعض المتسللين منها إلى التراب المغربية، ولكن احتمالات الخطر دائماً موجودة، والتجارب أثبتت بأن الإرهاب لا وطن له. كيف تقيّمون العلاقة مع جيرانكم في الدول المغاربية؟ -عادية، وإن اختلفت من بلد لآخر، عموماً نحن نعتبرها أساسية واستراتيجية، ونتمنى أن تتطور في شكل أفضل، وخصوصاً بيننا وبين الجزائريين، لأن بناء المغرب الكبير أصبح ضرورة حتمية. ماذا تمثل اجتماعات وزراء الداخلية العرب للعمل العربي المشترك؟ - هذه الاجتماعات مثلها مثل أية اجتماعات تعقدها القطاعات الوزارية العربية المختلفة في ما بينها للتنسيق والتشاور والتعاون وعقد اتفاقات جماعية أو بينية، لتطوير العمل المشترك والتكامل في ما بينها. ربما ما يميزها عن غيرها، أنها تشرف على قطاع ذي حساسية خاصة، وبالتالي فإن البعض ينظر إليها نظرة خاصة. أعتقد أن اجتماعات وزراء الداخلية العرب كانت دائماً تشكل مصدر اهتمام كبير من جميع الداعين إلى تفعيل العمل العربي المشترك، نظراً إلى إشرافها على قطاعات حيوية ذات صلة مباشرة بحياة السكان، وهي حساسة كما أسلفت، ولدورها في تنفيذ العديد من الاتفاقات المشتركة في عدد من القطاعات التي لا يشرف عليها بالضرورة وزراء الداخلية، وفي هذا المجال نجد أن عدداً من القطاعات العربية تشرك وزراء الداخلية العرب في اجتماعاتهم، من قبيل اجتماعات وزراء العدل العرب وغيرها. هل ترى أن أمانة وزراء الداخلية العرب قامت بدورها خير قيام؟ - تمّ إنجاز الكثير، وربما تأخرنا في بعض الأمور، ربما لكون العمل المشترك يتطلب الكثير من التوافق، أو لأن بعض القضايا لم تدرس بعناية، أو بما فيه الكفاية أو لمعيقات ذاتية. أما ما يتعلق بالأمانة، فإنها تقوم بعملها خير قيام، مدعومة برعاية الرئيس الفخري للمنظمة الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله.