يدخل العالم في القرن ال 21، بنمو اقتصادي قياسي، وإنقاذ ملايين البشر من غياهب الفقر ودفع البلايين منهم إلى الطبقة المتوسطة، من خلال «الجنوب» أو بالأحرى عدد من دول العالم النامي في جنوب الكرة الأرضية، وفق تقرير التنمية البشرية 2013 الصادر أمس. التقرير الصادر في المكسيك، يشير إلى أن 40 دولة نامية أنجزت مكاسب تنموية بشرية لم تشهدها أي من العقود الماضية كما التوقعات. وتركّزت هذه الإنجازات، في الأساس على استثمارات مستدامة في التعليم والرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية والاندماج المفتوح في عالم متواصل. رئيسة برنامج الأممالمتحدة الإنمائي هلين كلارك، أوضحت أن الجنوب يدفع النمو والتغيير الاجتماعي في العالم للمرة الأولى منذ قرون، وأن هذا الدفع في طريقه إلى خلق فرص تعاون تجمعه والشمال، ولكن في إطار متفرد من الشراكة بينهما. وبلغة الأرقام، فقد ورد في التقرير السنوي، أن كلاًّ من الصين والهند ضاعف متوسط دخل الفرد في أقل من 20 سنة، وهو معدل يوازي ضعف معدلات الزيادة في أوروبا وشمال أميركا إبان الثورة الصناعية. ووفق ما يشير مؤلف التقرير الرئيس، خالد مالك، فإن «الثورة الصناعية غيرت معيشة بضعة ملايين من البشر، في حين أن ما يحدث الآن من قبل دول الجنوب يتعلق بتغيير معيشة بلايين البشر». ومع بلوغ عام 2020، فإن مجموع نتاج الصين والهند والبرازيل، سيفوق الإنتاج الكلي للولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا. وبلغة معدلات الفقر، يترجم التقرير النهضة الحادثة في الجنوب بمراقبة مستويات المعيشة في دولة، حيث هبطت نسبة مَن يعيشون في فقر مدقع من 43 في المئة عام 1999 إلى 22 في المئة عام 2008. ويكفي أن 500 مليون مواطن في الصين وحدها تخلصوا من الفقر. ومع خفض معدلات الفقر في تلك الدول، ارتفع نصيبها من التجارة العالمية من 25 إلى 47 في المئة بين الأعوام 1980 و2010. وعلى رغم هذا التحول في موازين القوى ومعدلات النمو، فإن المنظمات الأممية لم تلحق بعد بهذا التغيير التاريخي. فالصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم وصاحبة أكبر مخزون من العملات الأجنبية، لا يتعدى نصيبها في البنك الدولي 3.3 في المئة، وهو أقل من نصيب فرنسا البالغ 4.3 في المئة. والهند التي ستستحوذ قريباً على لقب الصين باعتبارها أكثر دول العالم سكاناً، لا تملك مقعداً دائماً في مجلس الأمن. وأفريقيا حيث يعيش بليون شخص في 54 دولة مستقلة وذات سيادة، تعاني شحاً في التمثيل في غالبية المنظمات الأممية. أما العالم العربي في تقرير التنمية البشرية لعام 2012، فحدث ولا حرج. و «الجنوب» الذي يحتفي به تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لا يتضمن العالم العربي. ويشير التقرير إلى أن سياسات التقشف الملتبسة، وغياب المساواة والعدالة الاجتماعية والقصور في المشاركة السياسية، عوامل تهدد التقدم وتشعل عدم الاستقرار، وهو ما يحدث في منطقة العالم العربي. وتوضح كلارك، أن «النمو وحده لا يُترجم تلقائياً إلى تقدم في التنمية البشرية. السياسات الموجهة للفقراء والاستثمار الحقيقي في إمكانات البشر من خلال التركيز على التعليم والتغذية والصحة ومهارات التوظيف، هي وحدها القادرة على توفير فرص عمل جيدة وتحقيق تقدم ونمو مستدامين». وتقول الأمين العام المساعد والمدير الإقليمي لمكتب الدول العربية لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي سيما بحوث، أن لدى العالم العربي حالياً أعلى نسبة بطالة وأقل نسبة مشاركة من قبل القوى العاملة في سوق العمل، لا سيما النساء. ويلفت التقرير إلى أن معظم الدول العربية التي شهدت اضطرابات في العامين الأخيرين، هي من الدول التي حققت إنجازات حقيقية على صعيد التعليم، لكن لم تقابلها إنجازات على صعيد توفير فرص عمل. كما لا يزال العالم العربي يعاني من ثلاثة أوجه نقص شديدة، تتمثل في الحصول على المعرفة، والحريات السياسية، وتمكين النساء. وسيؤدي استمرار تجاهل هذه الإخفاقات إلى مضاعفة الأخطار والاضطرابات. بصيص أمل يلقيه التقرير عربياً على عدد من الدول التي حققت تقدماً، فالجزائر والمغرب وتونس نفّذت إنجازات حقيقية في ما يتعلق بمتوسط الأعمار، ما يعني تحسناً في الرعاية الصحية والتقنيات الطبية والتحصينات وتوافر المعلومات، إضافة إلى التوسع في الحصول على مياه شرب نقية والتزود بالطاقة والاستثمارات الحكومية والخاصة في قطاع الصحة. كما يشيد التقرير بتقلص الفجوة الرقمية في العالم العربي، لكن يحذر من استمرار عمق الفجوة في معظم الدول العربية بين الفقراء والأغنياء، وكذلك بين الرجال والنساء، حيث يقبع اليمن في أسفل مؤشرات العالم في هذا الشأن. الدور المضيء في نظر التقرير في ما يختص بأداء عدد من الدول العربية، هو دعم التنمية على مستوى العالم من خلال تسديد ستة بلايين دولار عام 2008، وخصّ بالذكر صندوق النقد العربي، والذي يملك 2.7 بليون دولار كتمويل طارئ للدول الأعضاء. ويؤكد التقرير، أن «الجنوب» الناهض يملك من الخبرة والموارد ما يجعله القوة الأكبر في مجال تنمية العالم، إذ تملك الدول النامية حالياً ثلثي الاحتياط العالمي من العملات الأجنبية البالغة قيمتها 10.2 تريليون دولار. ويعني التغير الحاصل، أن الحاجة ملحة لتمثيل أكبر للجنوب في المؤسسات الدولية والمنظمات الأممية، ويجب أن تواكبه مسؤوليات أكبر، وهو ما بات يعني أن «الجنوب يحتاج إلى الشمال، لكن الشمال بات يحتاج أكثر إلى الجنوب». أرقام عربية وصنف التقرير قطر والإمارات العربية المتحدة ضمن الدول الأعلى في مجموعة التنمية البشرية المرتفعة جداً، وتسع دول هي البحرين والكويت والسعودية وليبيا وعمان ولبنان والجزائر وتونس في مجموعة التنمية البشرية المرتفعة، وست دول هي الأردن والأراضي الفلسطينية ومصر وسورية والمغرب والعراق في مجموعة الدول المتوسطة. في حين تبقى الدول الثلاث المتبقية ضمن مجموعة الدول المنخفضة وهي اليمن وجيبوتي والسودان.