يحصل الكرد على تسليح أجنبي غير مسبوق، منذ أن دخل مسلحو «الدولة الإسلامية» مناطق كردية محاذية لحدود الإقليم، وبعد مواجهات عنيفة كشفت إخفاق عناصر قوات البيشمركه في مواجهة التحديات الأمنية الكبرى. وتمكن تنظيم «الدولة الإسلامية» من الحصول على ذخائر عسكرية حديثة ومتطورة بعد أن استولى على أسلحة أميركية كانت في يد قوات الحكومة العراقية في مدن الموصل وتكريت والرمادي، وفي المقابل، لا تمتلك قوات البيشمركة سوى أسلحة قديمة، يعود جزء منها لعهد الاتحاد السوفياتي السابق. ويقول ضابط كبير في قوات البيشمركه، في تصريح إلى «الحياة»، إن «ما نملكه من سلاح لا يمكن الاعتماد عليه، ولهذا كانت مواجهة «داعش» تعني إرسال الجنود الكرد إلى الموت بسبب عدم التكافؤ (...) الرصاص الذي بحوزتنا قديم جداً وقد فقد صلاحيته». واذ يُرَجحُ أن تزداد القوة العسكرية للكرد، لكن آلية التسليح والتدريب الأجنبيين تهدد الاستقرار السياسي الهش أساساً بين القوى الرئيسة اللاعبة في الإقليم. أخيراً، سافر عشرات الجنود الكرد إلى العاصمة الألمانية، برلين، لتلقي تدريب خاص على استعمال أسلحة متطورة، ومن المخطط أن يعود هؤلاء الجنود إلى مواقعهم في كردستان لتدريب زملائهم في قوات البيشمركه. وتسلم الإقليم نحو 300 طن من السلاح من ألمانيا وحدها، على أن يصل التجهيز إلى نحو 700 طن نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر). علاقات مميزة مع ألمانيا ويمتلك الإقليم علاقات جيدة مع ألمانيا، التي لديها مصالح تجارية مهمة معه، كما أن الآلاف من الكرد هم رعايا لألمانيا في برلين ومدن أخرى. لكن ألمانيا واحدة من 7 دول تخطط للإنضمام للولايات في جهود إعادة تسليح القوات الكردية. وهذه الدول هي، البانيا وكندا وكرواتيا والدنمارك وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا. وتعد خطة تسليح الكرد، جريئة وتكاد أن تكون مغامرة دولية تحت ضغط تهديدات المسلحين المتطرفين الذين ازدادت قوتهم في الشهور القليلة الماضية. وقالت أنغيلا مركل، المستشارة الألمانية، أمام البرلمان الشهر الماضي، «تسليح البيشمركه خطر على المدى البعيد، لكنه ضروري». ويشعر الكرد أنهم حققوا مكاسب عسكرية كبيرة، لكن على حساب تدهور الوضع الأمني في مناطقهم، إذ إنها المرة الأولى التي يحصلون فيها على أسلحة متطورة منذ العام 1991. وخلال أقل من عقدين لم يحصلوا على أنظمة أسلحة كبيرة ومتطورة، لأن شركات السلاح الكبرى تحتاج إلى موافقة الحكومة العراقية، ولكن الحكومة المركزية في بغداد، التي كان يرأسها نوري المالكي، عارضت ذلك دائماً». حتى أن جهود دمج قوات البيشمركه مع منظومة الدفاع العراقية منيت بالفشل في السنوات العشر الماضية، ما جعل نظام التسليح الوطني متفاوتاً بين بغداد وأربيل. والحال، أن تسليح الكرد قلب معادلة المواجهات مع «الدولة الإسلامية»، إذ تحول مسار المعارك لصالح الإقليم في مناطق «ربيعة» وأجزاء من «زمار» و «كوير»، وسد الموصل، رغم أن مناطق أخرى لا تزال تحت سيطرة مسلحي «الدولة الإسلامية»، كما في شنكال - بالعربية سنجار - وبلدة زمار القريبة من حدود إقليم كردستان. ويعول الكرد على زخم التدريب والتسليح من أجل تحقيق المزيد من التقدم في مناطق ذات غالبية سكانية كردية. لكن الآمال الكردية بالتغلب على المخاوف الكبيرة من «داعش»، تنتظرها مخاطر محلية تتعلق أساساً بالتوازن الحزبي السياسي في كردستان. وفي الحقيقة، أن الاستقرار المعهود في الإقليم قائم على ما يمكن تسميته بالتوازن الهش بين مصالح القوى الرئيسة: الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة جلال طالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، رئيس الإقليم، إلى جانب صعود قوة ثالثة مشاكسة وهي «التغيير» التي يتزعمها نوشيراون مصطفى. تسليح حزب البارزاني؟ وبالنسبة الى التسليح، فإن سياسيين كرداً يقولون أن التسليح صار حكراً على حزب البارزاني، الذي يتحكم بآليات وحصص توزيع السلاح، فيما تطل الشكوى الرئيسة من مدينة السليمانية التي يقول قادتها إنهم مقصيون من برنامج التسليح. وتتضارب المواقف بشأن نسب التسليح، التي يحصل عليها جنود البيشمركة التابعون للاتحاد الوطني الكردستاني، فبعض القادة، كما هو حال عادل مراد رئيس المجلس المركزي للاتحاد، يقولون إن «السليمانية لم تحصل على رصاصة واحدة من الغرب». لكن «الحياة» علمت من مصادر خاصة، أن مطار السليمانية شهد هبوط شحنات من العتاد الذي تلقته وزارة البيشمركة الكردية. وعلى رغم ذلك، فإن المصادر ذاتها تؤكد أن المدينة وقواتها الكردية حصلت على تجهيز من السلاح الغربي، أقل بكثير من بيشمركة أربيل. ولا بد من الإشارة إلى أن التوازن الحزبي، يغطي إلى حد بعيد حجم الانقسام في الإقليم، فهناك إدارات مختلفة، وأيضاً بيشمركة مختلفة تتحرك وفقاً لسياسات أحزابها. وفي هذا الصدد، يشار في الغالب إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني على أنه يمسك السلطة ويحتكر مواردها. يقول نجاة سورجي، وهو زعيم حزب المحافظين الكردستاني، «علينا أن نعرف أن من يحكم كردستان له المال والسلاح، ومن هنا يجب أن نقيس أهمية مسألة التسليح». وفي الحقيقة، فإن تسليح الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تتمركز قواته في مدن السليمانية وكركوك، تحول دونه العلاقات السياسية مع إيران من جهة، وحزب العمال الكردستاني من جهة أخرى. ومن المحال، أن يقوم الأميركيون بتقديم هدايا على شكل سلاح متطور. كما أن الضربات الجوية التي نفذها التحالف الدولي، استهدفت فقط مناطق كردية واقعة تحت نفوذ حزب مسعود بارزاني، حيث لم تشهد مناطق جلولاء والسعدية، جنوب السليمانية أي دعم جوي من الطيران الغربي. يقول عادل مراد، في تصريح إلى «الحياة»: «لا نحتاج إلى دعم أحد، نستطيع أن نقوم بما يجب في مناطقنا». لكن نجاة سورجي يعلق قائلاً: «كيف لا يحتاجون، لكنهم لن يحصلوا على دعم غربي، وإلا لماذا يستعينون بالطيران العراقي وهو أقل قوة وتأثيراً». وبحسب مراد القيادي في حزب طالباني، فإن «الاتحاد الوطني لا يخجل أبداً من حلفائه، كما هو الحال مع العمال الكردستاني». خطر على كردستان ويقول سورجي، «تسليح البيشمركة خطر على كردستان في المستقبل. هناك تفاوت كبير في التجهيز بين أربيل والسليمانية، لست من أقول هذا بل قادة الاتحاد الوطني الكردستاني. ما تستلمه أربيل لا تستلمه السليمانية، ما يعني أن الخلل بين الحزبين الكرديين يهدد مستقبل المنطقة». ووفقاً لسياسيين كرد، فإن قوة بعينها تتفوق الآن عسكرياً. لكن أربيل، التي تحظى باهتمام غربي غير مسبوق، لديها حلف نفطي واسع مع حكومة انقرة. الا ان هناك تناقضاً سياسياً أمنياً، إذ تتعزز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، خلافاً لما يقوله سياسيون كرد من أن تركيا «تغض الطرف عن الدولة الإسلامية، حين تمددت في مناطق كردية». وأخيراً وافق البرلمان التركي على منح الجيش صلاحية القيام بعمليات عسكرية خارج البلاد، وفي الوقت الذي يتقدم فيه تنظيم «الدولة الإسلامية» نحو كوباني الكردية، لا يتوقع الكرد أن يكون تدخل الجيش الكردي لمصلحتهم ضد «داعش». ويعتقد كثيرون في الإقليم إن رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، أدرك حقيقة أن الأتراك تخلوا عنه أمام «داعش»، لكنه غير قادر على هجر «الحليف» التركي.