إنه سيناريو طائفي بغيض، ولكن يحصل حالياً في سورية. ثمة أطباء مترددون بطبعهم، يأتيهم المريض فيوقن الطبيب أنه بحاجة إلى جراحة صعبة، ولكنه يبدأ بشتى العلاجات، لعله وعسى يتحاشى الجراحة الصعبة. من يسيء الظن يقول إن الطبيب يريد أن يتكسب من إطالة مدة العلاج، أو إن الطبيب غير واثق من قدرته على إجراء الجراحة، ومن يحسن الظن يقول إنه يرأف بالمريض ويحاول أن يجد له مخرجاً من دون مخاطرة تعرّض حياته للخطر. كذلك حال الرئيس الأميركي أوباما مع المريض السوري، أما الطبيب الآخر الرئيس الروسي فلادمير بوتين فأمره محسوم ونواياه مفضوحة، ولكن لا مناص من ترك المريض في رعاية ذلك «الكونسرتيوم». لقد قدما وصفة يعلمان أنها غير ناجعة. اتفقا على تكليف وزيري خارجيتهما بالاجتماع والخروج بحل سلمي، إنهما يعلمان أن «السلام» يرفضه تماماً النظام، فهو لا يستطيع أن يعيش به، المعارضة تحتاج إلى السلام، ذلك أنها اضطرت إلى الحرب، أما حديث النظام عن المفاوضات فما هو إلا حملة علاقات عامة. النظام ومعه روسيا الاتحادية يتحدثان عن ضرورة وقف تسليح المعارضة لتوفير أجواء لمفاوضات سلمية بين طرفي النزاع، ولكن لا يوجد «طرفا نزاع» ابتداء، إنما نظام قمعي مصرّ على البقاء في السلطة، وشعب ثائر غاضب يريد الحرية وبناء سورية جديدة. لا يوجد حزب أو طائفة سورية بذاتها تقود الصراع لكي يمكن وصفها بالطرف المقابل للنظام، فالجميع يعلم أن «الجيش الحر» و»الائتلاف الوطني» مكوّنان من كل طوائف الشعب، ومختلفان في المشارب والتوجهات، متحدان الآن فقط «ضدّ النظام»، ولكن سيتمايزان في جماعات وأحزاب تتواجه في انتخابات ديموقراطية بعد سقوطه. حتى السوريون في دمشق وفي أحياء حلب وحمص التي لا تزال تحت سيطرة النظام، والذين يبدو أنهم موالون للنظام، سيخرج جلهم ضده في تظاهرات يطالبون بالتغيير فور ما تختفي قبضته الأمنية. بالطبع يجب أن يكون أحد شروط أي اتفاق سلمي بين النظام وخصومه يتوصل إليه النظام والمعارضة - هذا إذا حصل لقاء كهذا وبرعاية لافروف وجون كيري - أن يوقف النظام العنف مثلما توقف المعارضة عنفها، ووقف العنف يعني السماح للتظاهرات السلمية ومنع ملاحقة المتظاهرين. إنها العودة إلى نقطة الصفر التي طالب بها الشعب السوري في آذار (مارس) 2011، ثم مبادرة الجامعة العربية والأمم المتحدة والسيدين كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي التي رفضها النظام، وسيرفضها ثانية وثالثة. السلام واللاعنف لا يخدمان النظام، إنه يعيش بالقوة ولن ينتصر إلا بالقوة، فما بال القوم يضيعون وقتهم في مبادرات عقيمة؟ إنها لعبة تدعى «الديبلوماسية الدولية» للهرب من المسؤولية، وبالتأكيد يتمنى الرئيس أوباما والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء التركي أردوغان وكل مسؤول عربي وأوروبي، أن يحصل شيء ما في دمشق ينهي الصراع من دون تدخلهم، ولكن من الواضح أن ما من شيء يبدو في الأفق أنه يسير نحو ذلك، بل الأسوأ هو الذي يحصل، فالأزمة السورية بدأت «تطفح» خارج سورية، إذ سقط سبعة عراقيين الأسبوع الماضي كانوا برفقة جنود سوريين فروا من موقعهم الحدودي، فكان «الأشقاء من جنود النظامين» في قافلة تمضي لاستعادة ذلك الموقع الذي احتله «الجيش الحر»، فوقعوا في مكمن داخل الأراضي العراقية لم يتضح من نفّذه، هل هم عناصر من «الجيش السوري الحر» أم حلفاؤهم من سنّة العراق الذين لم يخفوا تعاطفهم مع الثورة السورية، ورفعوا أعلامها في انتفاضتهم ضد حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي. المحصلة النهائية أن العراقيين المنقسمين حول قضاياهم الداخلية، زادوا عليها واحدة هي الانقسام حول الثورة السورية. شيعة العراق من جهتهم لم يخفوا تضامنهم في الحرب مع النظام السوري وإن تعللوا بأن كتيبتهم المسلحة «أبي الفضل العباس» هي في دمشق لحماية ضريح السيدة زينب الذي يحترمه السوريون السنّة، مثلما يحترم المصريون ضريح الحسين في القاهرة، طائفية صريحة عبثية تستدعي صراعاً عمره 1400 عام، وتطل بوجهها القبيح لتغري البسطاء، وتنذر بمعركة شرسة ستكون في دمشق كلما تقدم «الجيش الحر». بعيداً إلى الغرب، ينشط «حزب الله» بقدر لا يقل طائفية، فهو يحارب في داخل سورية وتحديداً في المناطق الشمالية من لبنان، حيث شاءت خرائط «سايكس بيكو»، وحسابات «لبنان المناسب» في تعداد طوائفه، والجغرافيا في أن تترك قرى بغالبية سنية ضمن سورية لتعزل لبنان عن جبال العلويين حيث تكمن الخطة «ب» وهي الدولة العلوية التي ينكفئ إليها بشار الأسد وسط أهله وطائفته، وبالتالي يحتاج «حزب الله» إلى ضمان خط إمداد، فيقاتل الآن حول منطقة القصير في ما يشبه عمليات الصرب في البوسنة، إذ من لزوميات تلك الحرب عمليات تطهير عرقي تمتد من شمال لبنان عبر منطقة القصير إلى غرب حمص، لضمان خط التأمين الذي يحتاجه، فلو سقطت سورية من دون تقسيم وكما هي بيد قوى وطنية، فذلك حبل مشنقة يشد على رقبة الحزب، ويحوله إلى مجرد فريق سياسي متساوٍ مع آخرين في لبنان، وهي حال لم يتعود عليها. النظام المتهاوي الذي سيلجأ إلى «دولة العلويين» يحتاج هو الآخر إلى حملة تطهير عرقي في الساحل السوري السني في غالبيته، كي يستطيع أن يضمن دويلة قادرة على البقاء. سيناريو طائفي متشائم، ولكنه يحصل، إنكاره هو الخطأ، وليس الحديث عنه! * كاتب وإعلامي سعودي