على رغم تأكيد واشنطنوموسكو نيتهما الانخراط والتعاون في ملفات إقليمية حاسمة، بينها سورية و البرنامج النووي الإيراني، يسود حذر وتروٍ في العلاقات بين الجانبين، في ظلّ تريّث الرئيس الأميركي باراك أوباما في لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، واعتماد الطرفين لغة تخاطب متموّجة، بين تصعيد وتروٍ، انطلاقاً من الحاجة المتبادلة للتعاون في قضايا حيوية، على رغم خلافات مستمرة في مسائل أخرى. ويأتي إعلان أوباما، بعد اتصاله ببوتين الأسبوع الماضي، أن لقاءهما الأول منذ إعادة انتخابه، سيكون على هامش قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى في إرلندا الشمالية في حزيران (يونيو) المقبل، يتبعه آخر في سان بطرسبورغ في أيلول (سبتمبر) المقبل، على هامش قمة مجموعة العشرين، ليعكس نمطاً أميركياً حذراً في مقاربة العلاقات مع الكرملين. ويُبرَّر تريّث البيت الأبيض في عقد لقاء مشابه، وتخلّي أوباما عن فكرة زيارة موسكو قريباً، لمّح إليها فريقه الخريف الماضي، باصطدام العلاقات بين البلدين بقضايا خلافية، وتهاوي جهود «إعادة استئنافها من النقطة صفر» التي أطلقتها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون قبل أربع سنوات. وساهم في فتور القنوات الروسية – الأميركية، رفض واشنطن تفكيك الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية، مستجيبة ضغوطاً من الكونغرس، وتراجع مستوى ثقة موسكو بالبيت الأبيض، بعد حرب ليبيا، إضافة إلى الخلاف حول سورية. وكانت لهذا الأمر تداعياته على تبني أميركيين أطفالاً من روسيا، وتردّد موسكو في استكمال مسار معاهدة «ستارت - 2» للحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وهذه عوامل تلبّد العلاقة بين الجانبين، وأدت إلى تأجيل لقاء أوباما وبوتين وعقده على هامش قمة دولية، بدل أن يزور أحدهما الآخر. وفيما لقى تعيين جون كيري وزيراً للخارجية في الولاياتالمتحدة، ترحيباً في موسكو، واعتُبر مؤشراً إلى اندفاع لتحسين العلاقات، تُرجم بلقاء بين الوزير الأميركي ونظيره الروسي سيرغي لافروف في برلين أخيراً، يدرك الرجلان أيضاً ضرورة ردم الهوة في الخلافات حول مسائل استراتيجية، قبل الحديث عن تحسّن في العلاقات. فالخلاف حول سورية يبقى قائماًً، على رغم المفاوضات بين البلدين، ولمّح إليه كيري خلال زيارته الرياض، إذ حمّل روسيا وإيران مسؤولية تسليح نظام الرئيس بشار الأسد. كما شدّد أكثر من مرة على ضرورة أن يغيّر النظام في دمشق حساباته، قبل توقّع اختراق ملموس على الأرض، ما يعني أن واشنطن لا تضع كل أوراقها في سلة الرهان على موسكو لتغيير موقفها من الأسد، وتدرك أيضاً أن حدوث ذلك لن يكون كافياً لتغيير ذهنية النظام. لكن الحاجة المتبادلة بين البلدين، تلخّص تطلعهما إلى علاقة أكثر دفئاً، وخصوصاً عشية تحضير الولاياتالمتحدة لسحب قواتها من أفغانستان العام المقبل، والأهمية الجغرافية للممرات الروسية، لإتمام ذلك. كما يبرز التعاون بين البلدين في الملف النووي الإيراني، بوصفه محور تلاقٍ بينهما، ويحظى بأولوية شرق أوسطية أكبر من ملفات «الربيع العربي» وسورية، نظراً إلى تداعياته الأمنية والجيوسياسية. ويمثّل التبادل التجاري بين البلدين، جزءاً قابلاً للنمو، وخصوصاً مع بلوغ الصادرات الروسية إلى الولاياتالمتحدة، نحو 30 بليون دولار العام الماضي، وتطلّع موسكو إلى الاستثمار في شكل أكبر، في قطاعي الكومبيوتر والاتصالات في غرب الولاياتالمتحدة. كما يتوقّع خبراء اقتصاديون زيادة الصادرات الأميركية إلى روسيا خلال خمس سنوات، لتبلغ 22 بليون دولار، بعد إزالة إدارة أوباما الحواجز التجارية نهاية السنة الماضية.