كشفت مصادر لبنانية رسمية رفيعة أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه دول الاتحاد الأوروبي، بدأ يستعد نفسياً وسياسياً للتكيف مع احتمال تأجيل إجراء الانتخابات النيابية المقررة في التاسع من حزيران (يونيو) المقبل، وهذا ما يتطلب منها الاعتياد على شرب «الكأس المرّة» الناجمة عن قرار التأجيل خلافاً لدعواتها الى احترام الاستحقاقات الدستورية وعدم الإخلال بها، لا سيما تلك المتعلقة بتداول السلطات في لبنان من خلال الاحتكام الى إرادة الناخبين في اختيار من يمثلهم في البرلمان. وأكدت المصادر نفسها ل «الحياة» أن معظم سفراء دول الاتحاد الأوروبي المعتمدين لدى لبنان انتقلوا أخيراً من السؤال همساً عن مصير الانتخابات النيابية واحتمال انجازها في موعدها الدستوري الى الدخول في صلب التفاصيل المتعلقة بالآلية الواجب اتباعها لتأجيلها بما يضمن التمديد للمجلس النيابي الحالي لمدة عامين في حال استمر تعذر التفاهم على قانون الانتخاب الجديد كشرط لإجرائها. ولفتت المصادر عينها الى ان ما يهم المجتمع الدولي، في ظل الارتدادات السلبية لتفاقم الأزمة في سورية على الساحة اللبنانية، هو الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في البلد، وقالت انه يدعم الانتقال السلمي للسلطة في لبنان، لكنه يتفهم في الوقت نفسه الأسباب الموجبة لتأجيل الانتخابات على خلفية ان تعذر التفاهم على قانون الانتخاب الجديد يمكن ان يؤدي الى اقحام لبنان في دوامة من الاشتباك السياسي المفتوح على احتمالات عدة. وأوضحت هذه المصادر أن المجتمع الدولي لن يدخل في صدام مع لبنان بسبب تأجيل اجراء الانتخابات إذا كان ثمنه السياسي المباشر الحفاظ على الاستقرار العام وعدم تعريضه الى انتكاسة مفتوحة، مشترطاً ضرورة التفاهم على آلية التأجيل التي يمكن أن تتجاوز التمديد للبرلمان الى التمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان كأمر واقع لا مفر منه، على رغم انه لا يترك مناسبة إلا ويؤكد فيها عدم رغبته في التمديد له. ورأت أن ما يعزز الأولوية لدى المجتمع الدولي في حماية الاستقرار العام والحفاظ على السلم الأهلي يكمن في أن لبنان يمر حالياً في تأزم اقتصادي من جهة وفي اختلاف في الموقف من سياسة النأي بالنفس لمنع تمدد الانعكاسات السلبية للأزمة في سورية عليه من جهة ثانية، وبالتالي فهو الآن في غنى عن اضافة مادة مشتعلة في حال تقرر إجراء الانتخابات في ظل اتساع رقعة التباين حول قانون الانتخاب. وأضافت هذه المصادر ان المجتمع الدولي لا يمانع الجهود الرامية الى تأجيل الانتخابات في ظل الاختلاف على القانون باعتباره الحل الوحيد لترحيل المشكلة بدلاً من إدراجها بنداً أساسياً يمكن ان يترتب عليه التسريع في جر لبنان الى أزمة يعرف الجميع من أين تبدأ لكن ليس في مقدور أحد أن يتكهن الى أين ستنتهي إذا ما تعذر على القدرات المحلية ضبط إيقاعها. وأكدت ان المجتمع الدولي إذا ما خير بين الحفاظ على الاستقرار وبين اجراء الانتخابات على أساس قانون يفتقر الى تفاهم أبرز المكونات السياسية اللبنانية، فإنه لن يتردد ولو للحظة في الوقوف الى جانب تأجيلها باعتبارها أقل ضرراً من اتمامها وسط هذا الانقسام العمودي الحاد... وقالت هذه المصادر ان سفراء الاتحاد الأوروبي، إضافة الى سفراء آخرين، لم يترددوا في الدعوة الى ضرورة اجراء الانتخابات في موعدها، لكنهم سيضطرون تدريجاً الى اعادة النظر في دعوتهم هذه انطلاقاً من أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الأولوية يجب أن تكون لتثبيت الاستقرار وبعدها لكل حادث حديث. وأعادت مصادر أوروبية بالذاكرة مواقف السفراء الغربيين بمن فيهم سفيرة الولاياتالمتحدة الأميركية في لبنان مورا كونيللي من الدعوات المتكررة لقوى 14 آذار الى رحيل الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي لمصلحة المجيء بحكومة حيادية استثنائية للإشراف على إجراء الانتخابات النيابية وكانت آخرها الدعوة التي أطلقتها فور اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن، وقالت ان جميع هؤلاء وقفوا ضد ترحيلها بذريعة ان عدم الاتفاق على الحكومة البديلة سيدخل لبنان في أزمة متمادية تدفع في اتجاه تهديد الاستقرار العام. وفي هذا السياق، أكدت المصادر ل «الحياة» ان ما ينطبق على الموقفين الأوروبي والأميركي من عدم إطاحة الحكومة يسري أيضاً على تفهم المجتمع الدولي للمبررات المؤدية الى تأجيل الانتخابات تحت شعار ان هناك ضرورة للحفاظ على الاستقرار أولاً. ولاحظت ان المجتمع الدولي، وإن كان يتردد حتى الساعة في الكشف عن أوراقه السياسية من اجراء الانتخابات بذريعة أن هناك فسحة من الوقت تستدعي منه التريث قبل أن يقول كلمة الفصل فيها، فإنه يحاول في ظل استمرار المشاورات العبثية حول أي قانون انتخاب يمكن اعتماده لإنجازها في موعدها الدستوري. وعزت السبب الى ان المجتمع الدولي يؤخر انضاج موقفه النهائي، ليس من باب حرصه المبدئي على اجراء الانتخابات، وإنما ليأتي طلب التأجيل من القوى السياسية الرئيسة بما يسمح له بالتدخل من أجل الإسراع في التفاهم على آليته، لقطع الطريق على إحداث فراغ في السلطة التشريعية فور انتهاء ولاية البرلمان الحالي في 20 حزيران (يونيو) المقبل التي يليها انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بعد حوالى عام من هذا التاريخ. وأكدت هذه المصادر أن المجتمع الدولي بدأ يعبر منذ الآن، ومن خلال عدد من السفراء الأجانب في لبنان، عن قلقه من إحداث فراغ في السلطة التشريعية لا يؤدي الى تعطيل كل أشكال التشريع فحسب وانما يدفع حتماً الى انسحاب هذا الفراغ على السلطة التنفيذية سواء بقيت هذه الحكومة أم تقرر تغييرها. لذلك، ينتظر المجتمع الدولي كما تقول هذه المصادر طبيعة «السيناريو» الذي ستتوافق عليه الكتل النيابية الرئيسة لتبرير تأجيل الانتخابات على رغم أن كبار المرجعيات السياسية بدأت تتخوف جدياً على مصيرها مع ان هذا الخوف لم يظهر حتى الساعة الى العلن وما زال محصوراً في الغرف السياسية الضيقة. لكن المصادر أخذت تسأل عن مصير الحكومة الحالية وهل يمكنها الاستمرار الى ما لا نهاية وتحديداً بعد التمديد للبرلمان أم أن البحث عن المخارج المطلوبة لقوننة تأجيل الانتخابات سيشمل أيضاً التوافق على شكل الحكومة العتيدة والموقف الذي سيتخذه رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط باعتبار انه يشكل بيضة القبان بالمعنى السياسي للكلمة لاستقراء مستقبل الحكومة الحالية. ناهيك بأنها أخذت تتحسب منذ الآن لعامل الوقت مع الاقتراب من دعوة الهيئات الناخبة الى الاشتراك في الانتخابات من دون التوصل الى تفاهم حول قانون الانتخاب وكيفية تشكيل الهيئة المولجة الإشراف عليها. كما ان المصادر نفسها تسأل عن موقف رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون من التمديد للبرلمان إذا ما تقرر أن يشمل التمديد لرئيس الجمهورية إضافة الى رد فعل «حزب الله» على رغم ان هذه المصادر تعتبر ان كفة التمديد أصبحت راجحة وأن هناك حاجة اليه مع أن البعض سيضطر الى الدخول في مزايدات لكسب ود مؤيديه لإجراء الانتخابات خلافاً لقناعته المبطنة بأن التمديد أقل ضرراً على استقرار البلد من إقحامه في دورة جديدة من التأزم السياسي. وعليه، فإن هذه المصادر تعتبر أن منسوب التمديد للبرلمان أخذ يزداد وإن كانت المشكلة تكمن في أن كل فريق يحاول أن يلقي بالمسؤولية على كاهل الآخر من باب المزايدات الإعلامية أسوة بما هو حاصل الآن في شأن مشروع اللقاء الأرثوذكسي. وبكلام آخر، وفق هذه المصادر، ما يعيق الانصراف منذ الآن للبحث عن المخرج الدستوري لتمرير التمديد الذي أصبح بمثابة شر لا بد منه، يكمن في أن أحداً لا يتجرأ على قول الحقيقة رغبة منه في أن ينأى بنفسه عن توفير الغطاء السياسي لقرار بحجم التمديد للبرلمان وما إذا كان سيأتي من طريق اقتراح قانون يتقدم به عدد من النواب أو من خلال صيغة مركبة لم تتبلور مضامينها حتى هذه الساعة.