مصطلح «الممانعة» الذي يتردد كثيراً ويحمل معنى «الرفض والمقاومة»، ليس امتيازاً سياسياً، بل هو تعبير ثقافي يتشكل في ممانعة اجتماعية ودينية وسياسية، قد تأخذ عقل المنظومة، وقد تتقاطع وتتضاد، بحسب بوصلة المصالح والمساحة الممكنة للحركة، وهو مصطلح يستخدم للتعبير عن حراسة الرأي والفكرة والحزب والجماعة. ما يعنيني في هذا المقال هو «الممانعة الاجتماعية»، الجمعي منها والفردي، التي تظهر من خلال اسمية الدين، أو لخدمة القبلي والإقليمي. الآراء والأفكار والجماعات والمذاهب التي تحرسها الممانعات، هل فعلاً كانت محروسة من الاختراقات، والتصدعات الداخلية إلى حد الخراب؟! واقع الحال لا يقول إنها توقفت عن الوعي والتطور، وأصابتها الهشاسة فحسب، بل إنها ملّت نفسها، وكرهت وجودها، ولم يبق لديها سوى التعزي بالشعارات والتسلي بالابتلاءات، في الوقت الذي تقدم نفسها إلى العالم عاجزة عن رؤية المصالح والمشاركة في صناعة التحولات والتأثير الإيجابي في القرارات. وفي الكلام عن الممانعة يبرز السؤال: هل يلزم أن يكون كل مناصر لفكرة ما هو ممانع لنقيضها؟ الجواب «نعم ولا»، فإن كانت مناصرة الفكرة نتيجة الوعي التراكمي ف«نعم»، وإن كانت مناصرة عمياء يدعمها الخوف والوهم وعقلية الابتلاء والمؤامرة، التي بمجموعها تؤسس مشروع «المواجهة»، فالجواب حتماً «لا». كما يبرز تخبط آخر في مشروع «الممانعة، المقاومة، الرفض»، فالعجيب أن من يمارس الممانعة يطالب بالحرية! فهو إما أنه لا يفهم الحرية! أو يريد من هذه المطالبة بناء جسور لنصرة الممانعة! وفي الحالتين هو مثار العجب وبرهان الانحسار والتردي، أو هي حتمية النفق المسدود! إن فكرة الممانعة تعني ضمناً ألا تملك رؤية استراتيجية، لأن كل الطاقة فيها تتجه إلى الرفض والحراسة للمكون الذي يتآكل من الداخل، فالممانعة رد فعل يحمل مشروعاً ينتظره ويؤمل عليه مجموعة من البشر المهمشين واللافاعلين واليائسين والكسالى... ومن هنا تكتسب الممانعة الثقافية حضوراً مجتمعياً كونها تقدم نفسها حارساً تراثياً أصيلاً، وكونها أيضاً تأخذ طابع المقاومة، والتراث والمقاومة ثنائية التبجيل المطلق من دون وعي وتحقيق وتفصيل! إن الوجود الإنساني ليس قائماً على فكرة الممانعات، بل هو يقوم على الفاعلية والعطاء، إذ الممانعة لا تتجه نحو السكينة والحب الذي هو حكمة الحياة، وإنما الممانع في قلق دائم وخوف مستمر على وهم الهوية! من الاستلاب. نحن أمام مستقبل مختلف يقوده الشباب الذي تعددت مصادر ثقافته، في طبيعة معلوماتية قوية وسريعة تجعل الخيار للوعي المستقبلي الذي ينتمي إلى عالم اللامتوقع، وهناك تشيد أبنية جديدة وتبقى القدامة للذاكرة. * عضو مجلس الشورى. [email protected] @alduhaim