أثبت رجل الدين الذي يعتبر الموجه الروحي للمتظاهرين في العراق عبد الملك السعدي قدرته على ضبط توجهاتهم، عندما دفعهم الى التخلي عن الشعارات المطالبة بإنشاء اقليم سني، وعزل بعض الشيوخ الذين اطلقوا شعارات طائفية، كاشفاً صراعاً سنياً – سنياً حول اهداف التظاهر. وعلى رغم الإجراءات الأمنية المشددة في بغداد ومحاصرة الأحياء المتوقع ان تشهد تظاهرات، سقط اول من امس العشرات بين قتيل وجريح في تفجير استهدف حي الشعلة، وعشرات الضحايا أمس بتفجير مزدوج في سوق للحيوانات في الديوانية (جنوب). وظهر مشهد التظاهرات التي انتشرت في مدن الانبار والموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى والاحياء السنية من بغداد امس مختلفاً عن الجمعة التي سبقته إذ خلت من الشعارات الطائفية. وبرز دور السعدي الذي خاطب المتظاهرين في بيان متلفز مساء الخميس لحضهم على تنظيم صفوفهم وعدم طرح «الكلمات والالفاظ التي يساء فهمها وتوحي بالطائفية». وأعلن المتظاهرون في الانبار اتباع توجيهاته فمزقوا منشورات تدعو الى تشكيل إقليم سني. وكان السعدي الذي وجه امس انتقادات شديدة إلى حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي وطالبها ب «المصالحة مع الشعب»، افتى بتحريم الدعوة الى اقاليم جديدة في العراق. وتشير المعلومات الى ان انقساماً حاداً يسود التظاهرات، فهناك تيارات سياسية ودينية وعشائرية تدفع باتجاه انشاء إقليم سنّي يقابلها تيار السعدي ومناصروه الذين يتمسكون بمطالب اطلاق المعتقلين والغاء قوانين الاجتثاث والمخبر السري والارهاب. وليست هذه هي المرة الاولى التي تتصاعد فيها المطالبات باقليم سنّي، فقد رفعت شخصيات سنّية هذا الشعار عام 2003، وشهد العامان الاخيران طرح المشروع بصيغ مختلفة، لكنه ما زال يواجه اعتراضات كثيرة. إلى ذلك، تخلت الانبار امس عن شعار «التوجه الى بغداد» ورفعت بدلاً منه «العراق اولاً» فيما تمسكت تظاهرات الموصل بشعار «جمعة قادمون يا بغداد». وكان اعلان المتظاهرين رغبتهم في اقامة صلاة موحدة في بغداد قبل اسابيع، استدعى اجراءات امنية غير مسبوقة، شملت تطويق الاحياء ومنع الدخول اليها ايام الجمع الا لسكانها، ونشر عشرات الآلاف من عناصر الجيش والشرطة في الشوارع. وتخشى السلطات العراقية التي تشدد إجراءاتها منذ اسابيع في محيط المناطق السنّية من تغيير خريطة التظاهرات التي تتركز في ساحات خارج المدن بعيداً من المؤسسات الحكومية، ما يقلل احتمال تفجر مواجهات غير مسيطر عليها. وعلى رغم ان التظاهرات وقوات الأمن اظهرت، حتى اليوم، انضباطاً فإن احتمال الإحتكاك بين الطرفين سيظل قائماً مع تصاعد المحاولات السياسية لفرض توجهات محددة على المتظاهرين ومنها دعم تشكيل الاقليم، او تحويل منابر الاعتصام الى وسائل للدعايات الإنتخابية، ولم تمنع دعوة الشيخ السعدي السياسيين الى الغياب عن ساحات الاعتصام. فوزير المال رافع العيساوي الذي كان صدور امر اعتقال عدد من حرسه سبباً في تفجر اولى الاحتجاجات نهاية العام الماضي، أعلن استقالته امس امام المتظاهرين في الانبار، بعد يوم واحد من تسرب انباء عن صدور مذكرة باعتقاله مع عدد من السياسيين الداعمين للتظاهرات.