مع إعلان المتظاهرين في الانبار نيتهم نقل احتجاجاتهم الجمعة المقبل الى بغداد، تكون الازمة العراقية انفتحت على محاذير كبيرة، في غياب الحوار السياسي، وسعي تنظيم «القاعدة» الى استعادة اجواء الحرب الاهلية، وتوجه متطرفين شيعة الى تشكيل مليشيات جديدة باسم «جيش المختار». وأعلن المتظاهرون في الانبار امس أنهم سينظمون مسيرة الى حي الاعظمية في بغداد الجمعة المقبل، فهم يعتقدون، بعد اكثر من 40 يوماً على التظاهر في ساحات بعيدة عن مراكز المدن، لن يفيدهم في تلبية مطالبهم. لكن هذه الخطوة، إذا تمت، تنطوي على محاذير كثيرة، بينها سهولة الإحتكاك بمعارضي الإحتجاجات، واستغلال تنظيمات تنتظر هذه الفرصة لتفجير الموقف. ويبدو لافتاً ان تنظيم»ّالقاعدة» كثف هجماته لتطاول تجمعات سكانية شيعية، ويحاول عبر بياناته حض اهالي المناطق السنية على حمل السلاح، ويهدد معارضيه بالانتقام، لكنه في الغالب يربط بين اعلانه منتصف العام الماضي حملة عسكرية باسم «هدم الاسوار» و»تحرير الحرائر»، والتظاهرات التي رفعت شعارات اطلاق الابرياء من السجناء والسجينات. وكانت هجمات بسيارات مفخخة يشك بان «القاعدة» يقف وراءها استهدفت امس اسواقاً شعبية في حي الشوملي (جنوب بابل) والكاظمية (شمال بغداد) مخلفة عشرات القتلى والجرحى، بعد يوم من هجمات دامية استهدفت مديرية الشرطة في كركوك وخلفت بدورها اعدادا كبيرة من الضحايا. الأزمة السياسية المحتقنة تشكل، بدورها، مدخلاً مناسباً لاستعادة الأجواء التي قادت العام 2006 الى تفجر حرب اهلية استمرت نحو ثلاثة اعوام، فالحكومة لم تنجح في اتخاذ خطوات كبيرة لتطويق اسباب التظاهرات ومعالجة التظلمات التي قادت اليها، كما ان الوسط السياسي المنقسم بشكل حاد منذ اكثر من عامين، لا يبدو في معرض التوجه الى طاولة حوار في غياب الرئيس جلال طالباني الذي مارس خلال السنوات الماضية دور الراعي لمثل هذه الحوارات. وعلى رغم ان اطرافاً شيعية سياسية وثقافية وشعبية، دانت خلال اليومين الماضيين اعلان «حزب الله - العراق» تشكيل مليشيا باسم «جيش المختار» لدعم توجهات الحكومة، غير ان هذه الادانات لم تمنع عدداً من المتطرفين من الالتحاق بهذه الميليشيا التي تحاول ان احتلال المساحة التي كان يشغلها «جيش المهدي» الذي حله زعيمه مقتدى الصدر قبل سنوات، وانخرط في العمل السياسي، واتخذ اخيراً مواقف تدعم المتظاهرين السنة وتدين سياسات الحكومة. العودة الى معادلات «الحرب الطائفية» لن تكون مهمة يسيرة مع تمسك المتظاهرين بخطاب معتدل يرفض توجهات تنظيم «ّالقاعدة»، واتخاذ الصدر في المقابل مواقف داعمة للمتظاهرين في نطاق رؤية تحض الشارع على الانضباط تعبر عنها مرجعية آية الله علي السيستاني والشيخ العلامة عبد الملك السعدي. لكن المخاوف مازالت منتشرة في العراق من تكون «معادلات صراع جديدة» يتم تحضيرها عبر خطابات سياسية وثقافية ودينية تتجه الى تعبئة الشارع وتوسيع نطاق التخندق، وتنسجم مع دعوات القاعدة الى العنف، ومطالبة مليشيات شيعية بالانتقام.