قبل خمسة أيام على موعد سريان اقتطاعات هائلة في النفقات، بدا أعضاء الكونغرس الأميركي أكثر انقساماً من أي وقت مضى إذ يتبادل الديموقراطيون، الذين ينتمي إليهم الرئيس باراك أوباما، وخصومهم الجمهوريون، الاتهامات بالمسؤولية عن الوضع. ويقر الجميع تقريباً بأن الاقتطاعات التلقائية التي تبلغ 85 بليون دولار وتُعرف باسم «الحجز المالي»، ستوجه ضربة قاسية إلى اقتصاد مقصّر أصلاً، فيما يبدو الاتفاق على تسوية لضبط الديون بعيد المنال. وكانت الاقتطاعات التلقائية التي تبدأ في الأول من آذار (مارس) المقبل والتي اتفق عليها في محادثات الموازنة الشاقة عام 2011، نقطة مساومة هدفها الضغط من أجل اتفاق على بديل أقل صعوبة، ولكن حتى أول من أمس لم يظهر أي مؤشر إلى اختراق ما. وقال كبير مستشاري البيت الأبيض دان فايفر في مؤتمر صحافي عبر الهاتف أول من أمس «الاقتطاعات ستسري لأن الجمهوريين قرروا ذلك، وبقليل من التسوية والمنطق يمكن حل هذه المشكلة». ونشر البيت الأبيض تفاصيل عواقب الاقتطاعات في كل ولاية بما فيها تسريح آلاف المدرسين واقتطاعات من رواتب موظفي الدفاع المدني والبحوث الطبية والحد من عمليات التفتيش الغذائي وزيادة التأخير في الرحلات في المطارات الكبرى. وسيشكل التراجع الحاد في النفقات العامة عقبة إضافية في الانتعاش الاقتصادي إذ قدر مكتب الكونغرس للموازنة أن الحجز المالي سيقلص النمو المتوقع هذه السنة 0.6 في المئة. وتوقع مركز أبحاث «بايبارتيزان بوليسي سنتر» في واشنطن أن يتراجع عدد الوظائف بمقدار مليون وظيفة في حال سريان الحجز المالي، بينما أكد المحلل الاقتصادي في البيت الأبيض جيسن فورمان أن أوباما ورئيس الأكثرية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد، سيواصلان الضغط من أجل اتفاق «بمقاربة متوازنة» قد يحل الأزمة الأخيرة ويُكسب بعض الوقت لإبرام اتفاق دائم. واتهم السيناتور الجمهوري جون ماكين الرئيس والديموقراطيين بالفشل في إجراء محادثات جدية حول تسوية، وقال: «لن أوجه اللوم كاملاً لأوباما، ولكن عليه أن يدعونا إلى مكان ما، كامب ديفيد أو البيت الأبيض أو أي مكان لمحاولة تجنب هذه الاقتطاعات». ورحّب الجمهوريون بمبدأ الاقتطاعات علماً أنهم يفضلون الحد من اتساع الحكومة، ولكنهم طالبوا بمزيد من المرونة وأبدوا معارضة خصوصاً أن «الحجز المالي» يطاول موازنة الدفاع أكثر من غيرها. ويوظف البنتاغون حوالى 800 ألف مدني قد يُمنحون إجازات مطولة، كما يُنفق عشرات بلايين الدولارات على متعاقدين مدنيين. وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب مايك رودجرز في حديث تليفزيوني: هناك فرق كبير بين بحار على سفينة يو اس اس ايزنهاور (حاملة طائرات) في المتوسط ومنسق السفر في وكالة حماية البيئة، ولا يمكن معاملتهما بالمثل. وأضاف: لدينا عمليات استخباراتية قد تتباطأ أو تتوقف، وهذه مشكلة. وكان مقرّراً أن يناقش ديموقراطيو مجلس الشيوخ في وقت لاحق أمس خطة لإغلاق ثغرات ضريبية يستفيد منها الأغنياء كسبيل لتقليص العجز، ولكن الجمهوريين الذين قبلوا على مضض بزيادة ضريبية على الأثرياء أثناء نقاشات «الهاوية الضريبية» قبل نحو شهرين، يعارضون أي ضرائب إضافية. وبات بعض الجمهوريين يعتبر الحجز المالي الطريقة الوحيدة للحصول على موافقة الرئيس على اقتطاعات في النفقات، معتبرين أن تصريحات حملة أوباما حول «مقاربة متوازنة» للموازنة كانت تعني فقط مزيداً من الضرائب والإنفاق. وأكد السيناتور الجمهوري توم كوبرن رداً على سؤال عن الحجز المالي أن «الأزمة مختلقة وتم اختراعها، ولم أؤيد الحجز المالي لأنه طريقة غبية للحد من النفقات، كما لم أؤيد رفع سقف الدين لأنه ليس هناك سقفاً للدين في هذه البلاد لأننا نرفعه دائماً». وأضاف «ولكن لدينا مئات بلايين الدولارات من المخلفات والفائض في الحكومة الفيديرالية، وعلينا أن نقرر اقتطاع بعضها». خفض الموازنة سيكبح النمو واشنطن - رويترز - توقع محللون أن يتأثر الاقتصاد الأميركي هذه السنة بخفض مرجح للموازنة، واحتمال نشوب خلافات سياسية حول الإجراءات المالية، ليبقى مستوى النمو منخفضاً عند 2.4 في المئة. وأشارت الرابطة الوطنية لاقتصادات الأعمال إلى أن أكثر من 95 في المئة من 49 اقتصادياً شملهم أحدث استطلاع فصلي يعتقد أن الخطوات أو المخاوف الخاصة بالسياسة المالية ستقلص الناتج المحلي الإجمالي. وأبدى أكثر من نصف المشمولين في المسح اعتقاده أن الغموض الذي يكتنف السياسة المالية سيقلص الناتج المحلي بأقل من 0.5 في المئة من معدل النمو، بينما توقع الثلث أن يتقلص معدل النمو ما بين 0.5 وواحد في المئة، بينما توقع 13 في المئة فقط تأثيراً أكبر. وستبدأ الحكومة تنفيذ الكثير من القرارات المهمة المتعلقة بسياسة الموازنة، ففي الأول من آذار (مارس) المقبل يبدأ سريان خفوضات تلقائية للإنفاق تصل إلى 85 بليون دولار ما لم يتحرك الكونغرس لوقفها، وفي نهاية الشهر ذاته ينتهي العمل بتشريع يمول أنشطة الحكومة، كما ينتهي في 19 أيار (مايو) العمل بتشريع منفصل يسمح للحكومة بزيادة الدين لتسديد التزاماتها المالية. وتوقع حوالى 60 في المئة من المحللين أن تسري الخفوضات الآلية للموازنة في موعدها سواء في شكل كلي أو جزئي، بينما توقع أكثر من 25 في المئة تأجيلها، و14 في المئة فقط، ألا تسري على الإطلاق. ويُرجح أن تقود إجراءات التقشف إلى خفض العجز الاتحادي إلى 900 بليون دولار هذه السنة و761 بليوناً عام 2014، مقارنة ب1.09 تريليون دولار العام الماضي.